أبواب

زهايمر سياسي..

أحمد حسن الزعبي

لا ينام السيد «فريدريك»، أستاذ الأعصاب في «إمبريال كوليج»، قبل الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وهو يقرأ في الإنترنت عن آخر البحوث الخاصة في «الزهايمر»، وعندما يبدأ الغباش يتسلل حتى إلى نظارته المكبرة يقوم بالخروج من المواقع الطبية ويغلق جهازه المحمول وينام.. في الصباح يصحو نشيطاً متوجهاً إلى مختبره الخاص، لابدّ أن يجد علاجاً مطوّراً لمرض العصر «الزهايمر»، لابد أن يعيد الأسماء والأرقام إلى أرشيف ذاكرة ملايين الناس في مختلف بلاد العالم، يصعد درجات المختبر القليلة، يفتح المختبر، يضغط على مفاتيح الإنارة فيضيء المكان، وتتحرك الفئران الغافية في أقفاصها.. يرتدي «روب» المختبر، ثم يحاول أن يتذكّر، أين وضع المصل الأخير الذي توصّل إليه وكان ينوي حقنه في الجهاز العصبي للفأر.. يبحث طويلاً يحك شعره الأشيب، لكن دون نتيجة، يتأفف، يحاول أن يرجع إلى ورقة الملاحظات التي يعلقها على الباب علّه ترك تنويهاً عن مكان المصل الذي سيعالج به ملايين البشر المصابين بفقدان الذاكرة لكن بلا فائدة، يفتح أدراج المكاتب بعصبية بعد أن نسي مكان المصل وتركيبته التي أمضى أسابيع طويلة وهو يجري معادلات صعبة لتحجيم الكتل البروتينية عل الخلايا العصبية لكن يبدو أن «طبيب النسيان» أصابه الداء نفسه.. وقد تكون المفارقة المضحكة، أن صاحب الذاكرة الوحيدة في المختبر الذي يمكن أن ينقذ السيد فريدريك.. هو الفأر المستلقي في قفصه وهو يغطي نصفه السفلي بشرشف طبي، حيث يتمنى أن يصرخ له قائلاً: «هي يا دكتور.. المصل موجود في الصف الخامس يمين من الرف الثاني من الثلاجة رقم 7» علّه يجري عليه الاختبار ويخلص.

***

طبعاً القصة كلها متخيلة، لا يوجد شخص اسمه فريدريك، ولم ينس المصل أبداً.. هي فقط مقدمة خبيثة لتورطكم في فكرة المقال، حيث إن معظم أطباء الأعصاب يجمعون على أن أعراض «الزهايمر» تتلخص في هذه النقاط: صعوبة إتمام المهام الموكلة إليه، وضع الأشياء في غير مواضعها، اضطراب الإحساس في المكان، صعوبة في حل المشكلات، إساءة تقدير الأشياء والحكم عليها.. سؤالي ها هناك زهايمر سياسي؟؟ لأن هذه الصفات قد تتقاطع مع بعض السياسيين العرب.. الوعود التي يقطعونها على شعوبهم نظرياً يصبحون عاجزين عن إتمام المهام التي جاؤوا لأجلها.. كما إنهم يقومون بوضع أشخاص في غير مواضعهم وينسون أين وضعوهم فتضيع الإدارات.. أما عن سوء تقدير الأشياء والحكم عليها فحدث ولا حرج، صاحب الذاكرة الوحيد الذي يراقب المشهد ويرى هذا التوهان ولا يستطيع أن يتكلم.. «الشعب» الممدد في قفص الاختبا،ر حيث ينتظر قدره من مصل تجريبي جديد.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 
 

تويتر