5 دقائق

مناسباتنا جعلناها عبئاً علينا

عادل محمد الراشد

بعد العيد، كل عيد، يجلس أكثر أرباب الأسر يعدّون ما تبقى من الراتب، ويقلبونه في كل الاتجاهات، عسى أن يجدوا تدبيراً يجعل الجيوب صامدة إلى موعد نزول الراتب التالي، منهم من ينجح، ومنهم يلجأ إلى الخطة «ب». ومجالات الخطة ضيقة ومحدودة، فإما اللجوء إلى دكان الحي لتوفير الحاجات «على الحساب»، أو الفزع إلى البطاقة الائتمانية للشراء «على الحساب»، وبناء عليه يكون راتب الشهر المقبل مرهوناً أكثره لما تم تسجيله على الحساب.

ثقافة اجتماعية ابتدعناها، ما كتبت علينا في سير من سبقونا، ولا نراها في نمط حياة الذين صرنا نتبعهم إلى جحر الضب.

وتستمر حالة عدم التوازن هذه إلى شهور عدة تليها، إلى أن يقترب الراتب من الاتزان، لكنه لا يلبث أن يتعافى حتى يتعرض لارتدادات جديدة، بعضها خفيف، وبعضها أكثر شدة. ومع دوران الأيام تدور مواسم ومناسبات كثيرة، أكثرها مبتدع في الدين، ودخيل على العادات الاجتماعية، فتستمر الحلقة بين أعياد ميلاد وأعياد حب وأعياد خوف وأعياد بهجة، وتتواصل بين زيارات للمستشفيات تسبقها قوافل من عربات الزهور المهجنة وسلال الحلوى المزخرفة. وما يلبث الموسم أن يقترب من محطته الأخيرة، حتى تسمع عن استعدادات للسفر، تتبعها زيارات غير متقطعة للأسواق، تستدعي ما يسمى مصروفات ما قبل السفر، وأما مصروفات السفر فلها باب آخر لو فتحناه الآن لما كفت هذه المساحة لذكرها.

ثقافة اجتماعية ابتدعناها ما كتبت علينا في سير من سبقونا، ولا نراها في نمط حياة الذين صرنا نتبعهم إلى جحر الضب، يسمونها ثقافة الوفرة، وفي الغالب، فإن الوفرة عند الغالبية مجرد وهْم وهمّ، وعادات قائمة على التكلف وعلى مفهوم جديد للعيب ركبناه وما عرفنا كيف نرتب معانيه، وأصبح حب التظاهر عندنا يعني التحدث بالنعمة.

ليست ثقافة استهلاك بمعناها المعروف في كل مجتمعات العالم، بقدر ما هي ثقافة سفه، حجبت الرؤية، وخلطت الأمور، وأخرجت المعاني من أصولها. فكلما زادت الدخول تراكم المزيد من الديون، وكلما توسعت الأرزاق ضاقت النفوس بما حملت من التزامات مبتكرة، أطلقت فيها أيدي الفتيات والفتيان ليفتحوا المزيد من أبواب الابتداع في صناعة الهم للكبار، ونقل المجتمع إلى حال الرهن العام، إما لقرض مصرفي أو لبطاقة ائتمانية، أو أقلها لدفاتر دكان الحي.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر