5 دقائق

الفائدة التي لم يذكرها الشافعي

عادل محمد الراشد

للسفر في تصنيف الإمام الشافعي، رحمه الله، خمس فوائد جالت بين «تفريج هم، واكتساب معيشة، وعلم، وآداب، وصحبة ماجد». وزاد عليها بعض أهل العلم استجابة الدعاء وزيارة الأرحام والأحباب. ولعلنا في هذا الزمن المتلاطمة حوادثه، نرى أن استشعار قيمة الأوطان عند الاغتراب ولو لأسابيع أو لأيام تتصدر تلك الفوائد. فعندما نشد الرحال إلى أكثر بقاع الله في الأرض تطوراً وزينة وبهرجة، وأعلاها تقدماً ونظاماً ونظافة، ونسكن الغرف الفارهة ونتمتع بالمناظر الخلابة، ولا نستطيع مع ذلك التخلص من حنين يسكن الحنايا، ويستدعي صوراً من مشاهد البحر المنفتحة صفحاته على كل الجهات، والرمل الذي صار علامة سحنتنا، والرمضاء التي كلما هربنا منها شدتنا إليها بمقولة «أين المفر؟». عندها نستشعر فائدة أن يكون للإنسان وطن أشد حناناً عليه من أمه، وأكثر رعاية له من أبيه، ليتراجع كل ذلك الجمال، وتتوارى كل تلك الروعة أمام روعة الحنين إلى الوطن، وشكر الله على هذه النعمة.

• نسافر ونرتحل ونتنقل في جهات الأرض الأربع، لنجدد ذلك الشعور بافتقاد الوطن عندما نبتعد عنه، ونعرف قيمة الحياة الكريمة التي نهنأ بها.

ويزداد الشعور حضوراً، عندما تجمعنا الأماكن بأشخاص فروا من أوطانهم، إما حفاظاً على حياة، أو خوفاً على شرف، أو أملاً في مستقبل كريم لأطفالهم. ومعظم هؤلاء لم يكونوا بلا غذاء أو دواء أو كساء، بل جاءوا من دول وأقطار فاضت بنعم الله عليها، لكنهم كانوا بلا كرامة. فعندما تجور الأوطان تغيب عن محياها كل لمسة جمال أو لمحة حياة، وتصبح طاردة ومنفرة لا تشفع لها ذكريات ماضٍ جميل، ولا جذور أصل أو فصل أو جاهٍ، وينتقل ذلك المبتلى من سجن الوطن الجائر إلى سجن الغربة الموحشة.

لذلك نسافر ونرتحل، ونتنقل في جهات الأرض الأربع، لنجدد ذلك الشعور بافتقاد الوطن عندما نبتعد عنه، ونعرف قيمة الحياة الكريمة التي نهنأ بها، والكرامة التي نحظى بأعلى مقاييسها، والطمأنينة التي تسكن نفوسنا كلما اقتربنا من أجوائه، وبانت لنا أطراف ترابه، وأمواج مياهه. فنعود ونردد كلمات الشكر والحمد لله، الذي منَّ علينا بنعمة صارت لنا أكثر وضوحاً، كلما تحركت فينا فطرة المقارنة.. فلا مجال لأي مقارنة!

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر