5 دقائق

الدراما الخليجية والشركة

عبدالله القمزي

نواصل الكتابة عن الدراما الخليجية استجابةً لطلب مجموعة قراء، كان أبرزهم زميل كريم أرسل لي سؤالاً مفاده: ما قصة الشركة في المسلسلات الخليجية؟ هل هي شركة مقاولات؟ أم شحن؟ أم شركة وهمية؟ فقررت الإجابة عن أسئلته من خلال خبرتي المتواضعة في رصد الدراما الخليجية.

منذ طفولتي في ثمانينات القرن الماضي وأنا أشاهد شركة (وأحياناً وزارة والأغلب شركة) في كل مسلسل خليجي، وبدخول عقد التسعينات ثم الألفية (حيث توقفت عن المشاهدة) وإلى اليوم مازالت الشركة موجودة. ممثلون رحلوا عن الدنيا وآخرون دخلوا المجال إلا أن الشركة صامدة في الدراما الخليجية، شامخة لا تهزها ريح رغم الصدأ الذي تسبب في جمودها.

تعتبر الشركة إحدى أهم سمات الدراما الخليجية إلى جانب الإغماءة الكلاسيكية، وفي الحقيقة هذان العنصران لا يستقيم دونهما أي مسلسل خليجي. تُستخدم الشركة أداةً لخلق القصص الجانبية البائسة، فمثلاً يستخدمها كتاب السيناريو لخلق شخصية الزوجة الثانية التي تبدأ سكرتيرة ثم تتزوج المدير وتبدأ في تخريب بيته، وهذه النقطة تحديداً اهترأت باهتراء الشركة (أصيب في تخمينها بنسبة 99% وقبل مشهد الزواج بثماني حلقات على الأقل).

• الشركة ليست جزءاً من القصة، وإنما حشو لابد منه لكن لا معنى له.

أو تستخدم الشركة لإعطاء انطباع للمشاهدين بأن الشخصيات في المسلسل لديها شيء مهم تفعله، فعندما تنتقل كاميرا المخرج إلى داخل أروقة الشركة نرى ملفات على المكاتب (في الثمانينات والتسعينات) أو أجهزة كمبيوتر (الآن)، لكن المخرج لا يهتم بإخبارنا ما نوع هذه الشركة والعمل الذي تختص به، فهي مهمشة غالباً وتستخدم إما لإبراز النقطة في الفقرة أعلاه أو لخلق قصة أخرى بائسة عن سرقة الميراث وعادة نتيجة هذه القصة معركة بالأيدي تنشب خارج الشركة على الرصيف قبل مواقف السيارات، وتستخدم فيها الفنون القتالية التي اشتهرت في الدراما الخليجية: رفس ولكم وضرب بالعقال! والمشهد التالي يكون في مركز الشرطة (وليس في المستشفى كما الإغماءة الكلاسيكية) والضابط ممثل كومبارس تكاد تكسر التلفاز من سوء أدائه.

وكذلك تستخدم الشركة في الدراما الخليجية للمشاهد الرومانسية بين الشخصيات، وهنا علينا أن نلاحظ أنه إذا أراد مخرج كسر الجمود وإضافة عنصر التشويق فإنه ينقل تلك المشاهد من مكاتب الشركة إلى مواقف السيارات، وذلك هو الإبداع بعينه، فأحياناً نرى فتى يعبر عن حبه لفتاة بين السيارات، وفتى آخر يشعر بالغيرة ويراقبهما من خلف السيارة الواقفة بجانبهما، من دون أن يشعرا به، بالضبط كما يحدث في الأفلام الهندية عندما يهرب سلمان خان من خلف ظهر الضابط الذي يبحث عنه ويكون ذلك وسط حضور كثيف من أفراد الشرطة.. المشهدان يتمتعان بالصدقية نفسها!

في داخل مكاتب الشركة نلاحظ عادة أن هناك مكاتب لا يوجد بها أي أجهزة كمبيوتر، وأخرى يكون الكمبيوتر خلف المدير وليس أمامه، وعندما يكون الكمبيوتر أمام الموظف /‏‏ المدير فلا نرى الشاشة قط؛ المشاهد الثلاثة تشير إلى أن الشركة ليست جزءاً من القصة وإنما حشو لابد منه لكن لا معنى له.

وفي الختام: الشركة في المسلسلات الأميركية جزء لا يتجزأ من القصة، وشخصيتها حاضرة بقوة، مثال: شركة لوس بولوس هيرمانويس في «بريكنغ باد» وستيرلنغ كوبر في «ماد من». والشركة في المثالين توضح للمشاهد طبيعة عملها، وقد تثقفه وتشارك في دفع قصة العملين إلى الأمام.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .  

تويتر