5 دقائق

الفيلم التركي

عادل محمد الراشد

لم يكن الفيلم التركي قصيراً، كما ساد الاعتقاد، ليلة الأحد الماضي، فقد تحول إلى مسلسل تتواصل حلقاته، وتدور أحداثه بين الأراضي التركية بشكل تراجيدي متلاحق، وعبر البحار، بين ضفتي المحيط الأطلسي، في تجاذبات صاخبة، ولقد نال هذا المسلسل حتى الآن النصيب الأكبر من المتابعين في العالم، سواء على شاشات التلفزة أو شاشات الحواسيب والهواتف النقالة.

«الإثارة في أحداث الداخل التركي تجلت في رد فعل الشارع التركي المتمسك بنظامه المدني الذي اختاره».

الإثارة في أحداث الداخل التركي تجلت في رد فعل الشارع التركي، المتمسك بنظامه المدني الذي اختاره، هذا الرد الذي سيغير الكثير من المفاهيم والقناعات في ثقافة التغيير عبر الانقلابات العسكرية أو داخل أقبية التنظيمات السرية. وتستمر الإثارة في رد فعل الحكومة المنتصرة، التي وصف قادتها ما حدث بأنه «هدية من السماء لتطهير الجيش»، فإذا التطهير يمتد إلى كل مفاصل الدولة، فيما يشبه الانقلاب المضاد، بغية تحقيق المزيد من الاستقرار، لضمان تحقيق الأهداف والبرامج. وربما تستمر الارتدادات تنتج المزيد من حلقات المسلسل لبضعة أيام أو أسابيع مقبلة، وربما تترتب عليها أحداث وتداعيات كفيلة بإنتاج جزء ثانٍ من المسلسل لا يمكن التكهن بمضامينه.

وأما المشاهد المصورة عبر ضفتي الأطلسي، فهي تقدم صوراً لطبيعة النظرة النمطية الغربية لسواها من دول وأمم العالم، النظرة الفوقية، والنبرة الاستعلائية، والاستئثار بحق الإدلاء بالرأي وإصدار التوجيهات والأوامر المغلفة بالنصائح، وربما التهديدات، لفعل ما يتناسب مع معاييرها، ويتوافق مع نمطها، ويضمن مصالحها. الدور الغربي في أحداث المسلسل التركي كان ملتبساً وغامضاً ومتردداً، كأنه ينتظر اقتراب السباق من نهايته، ليقرر على أي فرس يقفز.

ولكن عندما ظهر أن سائق الحصان قد تجاوز الأرقام المسموحة في السباق، وقفت الدول الغربية مجتمعة في وجه الفائز الجامح، لتذكره بفواتير قبولها بنتائج فوزه بالسباق، ولعل أشد هذه المشاهد إثارة تجاهل الدول الغربية الآثار الدامية التي خلفتها أحداث الانقلاب، والالتفات بسرعة صوب حقوق المتهمين بالمشاركة في الانقلاب، والتدخل في توجيه قرارات الحكومة التركية.

وعلى الرغم من الرسم الساخر الذي أظهر الرئيس أردوغان مبتسماً مع تعليق للجمهور العربي، يقول: «الرئيس يسلّم عليكم ويقول لكم الانقلاب فشل.. غيروا السالفة»، إلا أن المسلسل لا يبدو في آخر حلقاته، وسيستمر في جذب الاهتمام صوب السلطان الذي يعض بالنواجذ على الصولجان.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر