أبواب

صناديق للتبرع بالكتب

علي العامري

في كثير من الأماكن في الإمارات تنتشر صناديق للتبرعات، للأيتام والمحتاجين والمهجّرين واللاجئين، في مختلف دول العالم «المنكوب»، وهذه فكرة عظيمة، تسهم في تلبية حاجات هؤلاء الفقراء والمنكوبين. وللإمارات سجل حافل في المساعدات الإنسانية إلى دول كثيرة، خصوصاً عن طريق الهلال الأحمر، وجمعيات ومؤسسات خيرية عدة.

فكرة صناديق التبرع بالملابس المستعملة يمكن تطبيقها على صعيد الكتب، إذ يمكن تصميم صناديق توضع في أماكن مدروسة، وبتصميم جميل، للتبرع بالكتب، فإذا كان القميص ضرورة للاحتماء من البرد أو الحر الشديد، فإن الكتاب ضرورة أيضاً للاحتماء من الجهل والكسل، وصدّ الأفكار المتطرفة.

فكرة صناديق التبرع يمكن أن تنتقل إلى الميدان الثقافي، خصوصاً مع إعلان استراتيجية القراءة، فكما يحتاج الإنسان إلى الملبس والدواء ورغيف الخبز، فإنه يحتاج إلى الكتاب، بما يكتنزه من معرفة وجمال، ولما له من أثر إيجابي في السلوك والتنمية والتواصل الحضاري.

أينما تجولنا في الإمارات نجد صناديق متعددة للتبرع بالملابس المستعملة، ليتم جمعها وتصنيفها وتوزيعها إلى فقراء من دول عدة، وعلى الرغم من وضع تلك الصناديق بشكل عشوائي، في معظم الأحيان، علاوة على تصميمها الذي يخلو من اللمسة الجمالية، غالباً، ووضعها في أماكن قد تسد جانياً من أرصفة المشاة، إلا أنها مبادرة إنسانية تحمل معاني جميلة، خصوصاً مع ازدياد عدد الأيتام والأرامل والمهجّرين واللاجئين على الصعيد العربي، إذ أنها تسد حاجة كثيرين فقدوا بيوتهم وآباءهم أو أمهاتهم، خلال السنوات الخمس الأخيرة.

الفكرة ذاتها يمكن تطبيقها على صعيد الكتب، إذ يمكن تصميم صناديق لتوضع في أماكن مدروسة، وبتصميم يضيف جماليات للأماكن، للتبرع بالكتب، فإذا كان القميص ضرورة للاحتماء من البرد أو الحر الشديد، فإن الكتاب ضرورة أيضاً للاحتماء من الجهل والكسل، وصدّ الأفكار المتطرفة والهجينة، التي تدعو إلى محو الآخر من سجل الحياة، أو التي تحاول فرض قيود على حرية الناس.

في مثل هذا المشروع يمكننا توفير كتب مقروءة، أو كما توصف «كتب مستعملة»، مع أن الفكر والجمال وثمرة العقول لا تبلى مثلما يبلى رداء من كثرة الاستعمال، فالكتاب لا تنتهي صلاحيته مثلما تنتهي صلاحية الأغذية، ففي كل كتاب بذرة تنمو، وتواصل نموها في الحياة، وتتفتح بأفكار جديدة أكثر تطوراً وأكثر جمالاً، فالأفكار تنمو من بذرة الكتاب، خصوصاً أن كل كتاب يعود إلى شجرة في الأصل، كما لو أنه يشير إلى نمو الأفكار مثل غابة، تتجدد وتزداد عظمة بنمو أشجارها وتجددها، وتطرح جانباً الأفكار التي تجاوزها الزمن.

الكتاب لا يبهت طالما هناك قارئ شغوف بالحرف والبحث والسؤال والمعرفة.

الكتاب شجرة تضيء العقول والقلوب.

الكتاب ارتحال في الزمن، يضاعف أعمارنا.

الكتاب جسر.

أكتب عن هذا الاقتراح، بتصميم صناديق للتبرع بالكتب، في مختلف مجالاتها، وفي مختلف اللغات، لتوضع في مواقع في الأحياء السكنية، لندع كتبنا تضيء بين أيدي الآخرين، بدلاً من بقاء بعض تلك الكتب في مستودعات مغلقة، أو بدلاً من مصير محزن، إذ أخبرني صديق عن مصير مكتبة أستاذ جامعي، فوجئ ذات يوم بـ«محو» المكتبة ورفوفها من البيت، إذ قامت زوجته برمي الكتب في «حاوية قمامة».

alialameri@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر