أبواب

نجوم «متطاوسون»

علي العامري

بالتأكيد ثمة نجوم حقيقيون، يضيئون حياتهم وحياة الآخرين أيضاً، حتى بعد وفاتهم، تواصل إنجازاتهم المادية أو المعنوية إشعاعها، كمثل تلك النجوم التي يصل إلينا ضياؤها الآن، في حين أنها «ماتت» منذ آلاف السنين الأرضية. لكن عندما نقول «تورم الذات» فهذا يعني أنها حالة مرضية تستلزم العلاج، مثلها مثل «تورم الخلايا»، وعندما نقول «نجوم» فهذا يعني من اصُطلح على تسميتهم في وسائل الصحافة والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي الافتراضي.

النجوم الحقيقيون في السياسة أو الإعلام أو الفن أو الأدب أو الفكر لا يحتاجون حراسة من رجال ضخام يتطاير الشرر من عيونهم ولا يحتاجون ضوءاً مصطنعاً ولا يحتاجون تلفيق أخبار لتأجيج شهرتهم إذ إنهم محروسون بمحبة الناس.

لكن برزت ظاهرة «النجوم المتطاوسين» الذين أخرجهم التلفزيون إلى فضاء الشهرة، وزادت وسائل التواصل الإلكتروني من «الوهج الخلبي» لديهم، في بيئة خصبة لتضخيم الوهم الذاتي، لدرجة أنهم أصبحوا، ذكوراً وإناثاً، مثل «راقصات استعراض» في ليل بائس. وصارت الظاهرة علنية، نراها مثل «سيرك» في المشهد الثقافي العربي.

ما «يزيد الطين بلّة»، وما يؤجج الغرور لدى هؤلاء «النجوم»، اندفاع معجبين «يطالعون الصورة، ولا يقرأون الحرف» نحو التقاط صور مع هذا «النجم» أو تلك «النجمة»، أو لمس طرف ثيابه، أو ذرف الدموع على العتبة التي دلف منها إلى المسرح، مخفوراً برجال ضخام البنية، عابسي الملامح، مشمّرين عن سواعدهم المنفوخة، ومتأهبين للانقضاض على أي ظلّ قد يعتم مشهد «النجم» حتى للحظة واحدة.

ونعرف أيضاً أن كثيراً من مظاهر الإعجاب «مصنوعة» تماماً، يتم التخطيط لها مثل سيناريو فيلم، وليس من هدف لذلك سوى «تأجيج» صورة «النجم» وتناقل أخباره وشائعاته معاً، فالمهم لدى «صناع نجوم الرداءة» هو إبقاء الضوء مسلطاً على «نجمهم الموهوم».

المعجب الذي التقط صورة تذكارية مع «نجمه المتفضل» عليه بصورة «موبايل» عابرة، سرعان ما يبحث عن أقرب «واي فاي» ليقوم ببث تلك الصورة التي يبتسم فيها بمبالغة واضحة، في حين يبدو «نجمه» رزيناً ومتعالياً و«متطاوساً» ومتغطرساً أيضاً.

هناك فرق بالتأكيد بين نجم تعب على نفسه، وتأنى، وقدّم الجديد الجميل بصدق، وأحبه جمهور واعٍ لمعنى إنجازاته وحضوره في الحياة، وبين «نجم» متورم الذات، يبتسم على شاشة التلفزيون، ظاناً أنه «نجم النجوم»، وأنه عملاق زمانه إبداعياً، لكنه حين يعود إلى سريره في الليل، يدرك تماماً كم أنه وحيد وضعيف وصغير يتمدد على سرير مفرد وموحش.

هناك نجوم حقيقيون، بضوء طبيعي، متواضعون ويهبون إلى مساعدة الناس، لأنهم خيّرون بطبعهم، ولأنهم من الناس. يحزنون لمرأى يتيم يلفعه الغبار والفقر والنسيان، ويفرحهم مشهد عاشقين على جسر يتبادلان الورد والعاطفة. بينما هناك «نجوم زائفون» بضوء اصطناعي، سرعان ما يخبو، وسرعان ما يلف النسيان ضجيجهم المصنوع أيضاً، وإن صافح طفلاً فإنه يصافحه لأجل لقطة تلفزيونية.

النجوم الحقيقيون، في السياسة أو الإعلام أو الفن أو الأدب أو الفكر، لا يحتاجون حراسة من رجال ضخام يتطاير الشرر من عيونهم، ولا يحتاجون ضوءاً مصطنعاً، ولا يحتاجون تلفيق أخبار لتأجيج شهرتهم، إذ إنهم محروسون بمحبة الناس، محروسون بتواضعهم، ومحروسون بضوء نابع من قلوبهم، يفعلون الخير والجمال والإبداع، من دون انتظار آلة تصوير.

alialameri@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر