لحظة

مستقبل الإعلام الرقمي

ياسر حارب

نشرت «شبكة استشراف المستقبل» تقريراً عن الخط الزمني المتوقع لانقراض الصحف والمجلات المطبوعة، فجاءت الولايات المتحدة في أول القائمة، إذ ستنتهي طباعة الصحافة في 2017، تليها بريطانيا وآيسلندا في 2019. أما في منطقتنا العربية، فتحتل الإمارات المركز الأول، حيث ستنتهي فيها الصحافة المطبوعة في 2028، ثم السعودية في 2034، وستتحول جميع الصحف والمجلات إلى مواقع إلكترونية وتطبيقات هاتفية.

وفي تقرير مطوّل نشره موقع Business Insider عن مستقبل الإعلام، قال الباحثون فيه إن متوسط مشاهدة الشخص للتلفاز عام 2011 كان 26 ساعة، لكنه انخفض في 2015 إلى 16 ساعة لمصلحة الهاتف. وفي استطلاع أجراه معدّو التقرير، وجدوا أن 87٪ من الناس لا تُفارقهم هواتفهم طوال اليوم. وتساءل الباحثون عمّا بعد الهواتف الذكية، فوجدوا أن النظارات الذكية مازالت مُتخبّطة. والساعات الذكية لا تصلح للقراءة واللعب، بل للتنبيهات فقط. والسيارات الذكية، لن تكون بديلاً لجهاز صغير نحمله في جيوبنا. وأجهزة الواقع الافتراضي مازالت تحبو في بداياتها.. ماذا إذن؟ شيء بسيط، نستخدمه يومياً، ولم نلحظ أنه انفجر فجأة فصار جزءاً رئيساً من حياتنا.. إنه برامج الدردشة chat، كبرنامج «واتس أب»، أو «ماسنجر». هذه الفكرة البسيطة التي بدأت مع الإنترنت في التسعينات على هيئة مواقع دردشة، تعود في هيئة تطبيقات لتصبح المنصة الأهم اليوم وفي السنوات المقبلة. فمستخدمو «واتس أب» وصل عددهم إلى مليار شخص، و«ماسنجر» 900 مليون (كلاهما مملوك لـ«فيس بوك»)، وكل منصات التواصل الاجتماعي كـ«إنستغرام» (مملوك لـ«فيس بوك» أيضاً) و«تويتر» و«سناب شات»، فيها وسائل للدردشة، ستحل قريباً محل المنصة الأم.

لكن السؤال هو: ما دخل هذا بمستقبل الإعلام؟ برامج الدردشة هذه تستقطب مستخدمين أكثر من منصات التواصل الاجتماعي، حيث يستخدم الـ«سوشيال ميديا» اليوم قرابة مليارين ونصف المليار شخص، بينما يستخدم برامج الدردشة قرابة ثلاثة مليارات شخص، هؤلاء هم أنفسهم الذين يرفضون قراءة الصحف المطبوعة، وتوقف كثير منهم عن مشاهدة القنوات الفضائية وقنوات «الكيبل» ذات الاشتراك الشهري، لمصلحة شركات «التلفاز حسب الطلب»، مثل «نيتفليكس»، وتلفاز «أبل»، وغيرهما من الشركات التي تفوَّق عدد مشاهديها اليوم على عدد مشاهدي القنوات الفضائية. لا يعني أن التلفاز كجهاز سينتهي، بل ستنحسر القنوات الفضائية وستتضاءل سوقها، وسيبقى جهاز التلفاز للمزودين الجُدد، تماماً مثلما انحسرت الصحافة المطبوعة. وستبدأ منصات الـ«سوشيال ميديا» تنحسر أيضاً لمصلحة البرامج القائمة على الدردشة، فبرنامج مثل «واتس أب» قفز عدد مستخدميه من 400 مليون إلى مليار في عام واحد فقط، وصار أهم من «تويتر»! وقريباً سينتقل إليه مختلف وسائل الإعلام.

إن مستقبل الإعلام ما عاد مربوطاً بالتحولات السياسية والاقتصادية كما كانت الحال قديماً، بل بتطلّعات الجمهور وما تفرضه عاداته وأذواقه، لا أدري إن كان هذا شيء جيد أم لا، لكنه الواقع الذي نحتاج إلى التعامل معه بمتطلباته وأدواته.

yasser.hareb@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر