أبواب

أعراس الثقافة

جمال الشحي

بعد أيام قليلة تحتضن عاصمتنا الحبيبة معرض أبوظبي للكتاب، الذي يشارك في فعالياته أكثر من 1200 ناشر وعارض من مختلف دول العالم، وستشهد أيامه السبعة أحداثاً ثقافية كبرى، توزع خلالها جوائز عدة، بعضها صار على أهمية بالغة، بحيث باتت محط أنظار الجميع، ويترقب نتائجها الكثير من المتابعين والمشاركين على مستوى العالم، وتصبح حديث الإعلام على مدى أيام المعرض، وربما يتواصل صداها بضعة أسابيع أو أشهراً أخرى، لكن الدورة الحالية من فعاليات معرض أبوظبي للكتاب هذا العام تكتسب أهمية استثنائية، كونها تأتي بالتزامن مع إعلان دولة الإمارات عام 2016 عاماً للقراءة، وهي خطوة غير مسبوقة في التنوير أو التثوير المعرفي على المستوى العربي، على أقل تقدير.

لا ريب في قيمة ومكانة جائزة الشيخ زايد العالمية للكتاب، وجائزة الرواية العربية (البوكر)، وإلى جانبهما جائزة الإمارات للرواية، وجائزة شخصية العام الثقافية، ومن محاسن الصدف أن شخصية هذه الدورة من جائزة الشيخ زايد للكتاب في عام القراءة هي الروائي العربي العالمي أمين معلوف، وهو تكريم مستحق بامتياز، لِما يتميز به أدب معلوف من إضافة جديدة للفن الروائي، وبعد إنساني شفيف، يجعله نموذجاً فذاً لثقافة التسامح والانفتاح على الآخر. هذا إلى جانب حضور هذه الكوكبة الجميلة من الكُتَّاب والناشرين العرب والعالميين المشاركين في المعرض، إضافة إلى اليانعات الباذخات من أمهات الكتب في الأدب والفن والفلسفة والتاريخ، ومختلف صنوف وأنواع المعرفة الإنسانية، كل ذلك يجعل للمعرض هذا العام نكهة مائزة، بل مذاقاً مختلفاً عما شهدناه في الدورات السابقة. نعم سبعة أيام حافلات بما لذَّ وطاب من فاتن الكلمات وسحر الكتاب، وسيكون الجمهور على موعد يومي مع غواية المعرفة وفتنة الجمال.. وفي حضرة الكتاب تغيب كل الأشياء، وتحضر كل الأشياء، وما بين الحضور والغياب، ليس لك من أنيس أجمل وأرق من الكتاب.

عاصمة سياسية بحجم مدينة أبوظبي، يبرز فيها الدور الثقافي بوضوح، وتتحول إلى مدينة ثقافية بامتياز في أي وقت تشاء، مدينة تبني الإنسان قدماً مع بناء العمران. هي عاصمة السياسة والعزم والحزم في هذا الوقت المضطرب من تاريخ المنطقة، وهي في الوقت عينه مدينة الثقافة في كل الأوقات، ذلك لأن الثقافة هي عنوان وهُوية المجتمعات الحية، بل هي بطاقة العبور إلى المستقبل الآمن. وما توفره العاصمة من بنية ثقافية متطورة، وأفكار مبتكرة، وقيادات ثقافية تؤدي دورها بكفاءة، يتيح للأجيال الجديدة أن تؤسس مستقبلاً مختلفاً، تلعب فيه المعرفة دوراً أساسياً في النمو والازدهار. أبوظبي مدينة الخيارات المفتوحة، والخيارات في الثقافة تصنع الفارق.

الثقافة ليست ترفاً، بل هي صناعة متكاملة، مثلها مثل أي صناعة أخرى. والكثير من المشكلات التي يواجهها المشهد الثقافي المحلي، يعود إلى عدم استيعاب بعض المنشغلين بالثقافة «ميكانيزمات» عملية التنمية الثقافية وسبل تطورها. فالإدارة الثقافية تتطلب مهارات عملية بلغة السوق، وخبرات معرفية بمفهوم الثقافة الفاعلة أو الثقافة المنتجة، وقدرات خلّاقة في محاكاة العقل واستفزاز الوعي لدى جيل الشباب، وهذا ما يفتقده بعض القائمين على الثقافة، مع الأسف الشديد، رغم أن الفجوة بين القطاعين الخاص والحكومي بدأت تضيق، مع وجود قيادات شابة وطنية في القطاعين، وأتمنى استمرار هذا التعاون. إن احتفالات عام القراءة في الدولة وحّدت الجهود، وغيّرت آليات العمل في المشهد الثقافي المحلي، الذي بدا فيه التعاون بين الجميع سمة واضحة.

المؤكد المنافسة في الثقافة أضفت ألقاً جميلاً على المشهد، لكن البعض يذهب بها إلى أبعد من ذلك، بحيث يخلق جواً متوتراً أو سلبياً، فيجعلك تشعر وكأن العمل الثقافي معركة، وينسى أن روح الثقافة تكمن في تقبُّل الآخر، واحتضان الآراء المختلفة، وأن العمل الثقافي سباق المسافات الطويلة المدى، لكن البعض يُجهد نفسه مبكراً، فلا يكمل المشوار.

يا صاحبي الثقافة للجميع وليست نخبوية، بمعنى أنها ليست حكراً على مجموعة بعينها أو أفراد يعتقدون فيما بينهم أنهم يملكون الحقيقة المطلقة. كما أنها لا تقتصر على كاتب أو مثقف يمارس الأستاذية على الجميع، بمجرد أن صدر له كتاب أو كتابان. كما أنها لا تتوقف عند ناقد يعتقد أنه مميز، فيهاجم الأقلام المحلية من دون سبب مقنع أو مبرر، سوى إطلاق الأحكام القطعية، من قبيل هذا جيد وذاك فاشل! كذلك الثقافة ليست معنية بقارئ قرأ كتاباً ولم يعجبه، فراح ينسف كل الجهود المبذولة في صناعة الكتاب. أيضاً الثقافة لا يختزلها شخص تبوأ منصباً في الثقافة لا يستحقه، فأصابته لوثة جنون العظمة، وأخذ يضرب ذات اليمين وذات الشمال خبط عشواء، وليس هناك من يأخذ على يده، أو يردعه!

يقول صاحبي: كلما قرأت أكثر قل لديك الجدل، واقتربت من الصمت.. قلت له: لا تعليق.

jamal.alshehhi@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر