أبواب

ولادة «الموروث»

علي العامري

أطلت بصورة فتاة إماراتية ترتدي الزي التقليدي، متزينة بالحلي التقليدية، تقف في الحاضر أمام عريش السعف، بنظرة متفائلة إلى الغد.

إنها مجلة «الموروث» في عددها الأول، يولد اسمها بحروف مذهّبة تتلألأ بخط «الثلث»، وتزين الغلاف الأخير بصورة مشط أندلسي، من مدينة غرناطة، يعود إلى عام 1400 ميلادية.

وتأتي أهمية «الموروث» من كونها مجلة محكّمة متخصصة بالتراث الثقافي، إذ تتضمن دراسات علمية في التراث، وتسد فراغاً كبيراً في مجال الإصدارات العلمية التي تتناول التراث علمياً، من دون «تهويل» أو «مبالغات»، كما أنها تتناول التراث بوصفه مرجعية هوية ووجود وثقافة، وبوصفه علامة مكتنزة بالقيم الإنسانية تنبئ بطرائق عيش الأجداد.

• «الموروث» تأتي لتؤكد أهمية دراسة الماضي، ليس للركون إليه، أو «البكاء» على عتبته الحجرية، إنما لنعرف ذاتنا، ونعرف ذات الآخر، ولنكتشف عبقرية الأجداد في اجتراح بلاغة الأرض، وإبداع سبل العيش، وإدارة الموارد والوقت، واستثمار طاقة الأشياء.

صحيح أن الإنسان لا يمكن أن «ينام» في الماضي، لكن الحاضر هو صيرورة طبيعية لذلك الماضي. وفي الوقت نفسه، هناك عناصر في التراث تواصل حياتها في صيغ جديدة، في حين تدخل عناصر تراثية أخرى في المتحف لتضيء سيرة القدماء.

«الموروث» تأتي لتؤكد أهمية دراسة الماضي، ليس للركون إليه، أو «البكاء» على عتبته الحجرية، إنما لنعرف ذاتنا، ونعرف ذات الآخر، ولنكتشف عبقرية الأجداد في اجتراح بلاغة الأرض، وإبداع سبل العيش، وإدارة الموارد والوقت واستثمار طاقة الأشياء. وقبل أن يخرج إلينا العالم الجديد بمصطلح «إعادة التدوير»، كانت جداتنا، بحكمة فطرية، يعدن صياغة الأشياء، وصياغة استخداماتها، ليغدو القميص «معمّراً»، ينتقل من اللبس ليصبح «وجه مخدّة» أو جزءاً من ستارة أو لحاف.

تأتي مجلة «الموروث» الفصلية المحكّمة، التي يصدرها معهد الشارقة للتراث، لتفتح فضاء لتداول المعرفة حول التراث، الذي أصبح «سفيراً بصيغة الماضي»، إذ تقرّب «دبلوماسية التراث» بين شعوب الأرض، وتمنحنا نافذة نطل عبرها على أزمنة قديمة.

في افتتاحية العدد الأول من المجلة، كتب رئيس تحريرها رئيس معهد الشارقة للتراث، عبدالعزيز المسلم، عن الحلم الذي صار مجلة، موضحاً أن «الموروث» تهدف إلى «رفد الساحة العربية بدراسات وأبحاث عن التراث الثقافي الإماراتي بشكل خاص، والتراث الخليجي والعربي بشكل عام». كما ذكر أن كثيراً من كنوز التراث لاتزال محجوبة ، ولم يطلع عليها إلا عدد محدود من الباحثين. وأشار إلى اهتمام المجلة بذاكرة المكان، داعياً إلى مزيد من الأبحاث والدراسات الميدانية التي تلقي الضوء على التراث، والأمكنة في الإمارات خصوصاً، والوطن العربي عموماً.

معهد الشارقة للتراث، الذي يصدر «الموروث»، يؤكد على قيمة الوفاء لمن رحلوا بعدما قدموا كثيراً للتراث الإماراتي، إذ تضمن العدد الأول من المجلة مقالاً عن الشاعر أحمد راشد ثاني، صاحب «حصاة الصبر»، الذي كان يحث دائماً على توثيق التراث الشفاهي في الإمارات، وأنجز عدداً من الكتب في هذا المجال.

ومن باب الوفاء أيضاً، أصدر المعهد وأعاد إصدار أربعة كتب للباحث عمار السنجري، منها مخطوط طبع بعد وفاته. كما أهدى الباحث عبدالعزيز المسلم كتابه الجديد «أمثال السّنع» إلى الراحل، وكتب «إلى عاشق البدو والصحراء، صديقي الذي فقدته مبكراً، عمار السنجري».

كما تأتي «الموروث» وفاء لعبقرية الماضي، حجر أساس المستقبل.

alialameri@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر