أبواب

السعادة على جهاز الجري

جمال الشحي

على جهاز الجري الكهربائي قد يبذل الشخص مجهوداً كبيراً في المشي، أو حتى في الجري البطيء أو السريع، لكن في النهاية أنت لا تتحرك من مكانك المرسوم لك. ورغم المجهود المبذول، والتعب المصاحب للتدريب، إلا أنك تبقى في المكان نفسه. الواقع يقول إن الجهاز لن يأخذك إلى مكان آخر، لكن في المقابل جسدك قد أخذ فائدته من التمرين.

كثير من السعادة، التي نعيشها، تشبه السير على جهاز الجري، شعور مؤقت وقد يكون مصطنعاً، لكن بلا وجهة، ولن ينقلك إلى مكان آخر. السير على الجهاز علمياً يحفز هرمون السعادة، لكن في المقابل يختار لك طريقاً واحداً ومكرراً أيضاً، وعندما تسأله برغبتك في أن تسلك طريقاً مغايراً، يجيب: ألا يكفيك شعور السعادة؟!

كنت دائماً أتساءل: هل هناك سعادة حقيقية وسعادة مزيفة؟!

كيف يجد الأطفال السعادة بسهولة؟ ورغم براعتها في الاختباء، إلا أنها تفشل في التخفي عنهم، يجدونها في الأشياء البسيطة، في اللعب البريء.

وللإجابة عن هذا السؤال يجب أن نسأل أنفسنا: هل نحن نعيش اللحظة الآنية، ونعرف مدى قوتها وتأثيرها في سعادتنا، أم سعادتنا كما يقال «فلاش باك»، أي قائمة على اجترار ذكريات الماضي وخيالات المستقبل؟! وأغلب الظن أن مفهوم السعادة المتعارف عليه هو خليط من مفاهيم عدة، ولا تشكل اللحظة التي نعيشها جزءاً أساسياً منه.

ما قصدته هو أننا عندما نعيش اللحظة بكل حواسنا تصبح السعادة معنا، لكننا ممتلئون بذكريات لا تريد أن تغادرنا، وأشياء تقبع في أعماقنا، تجعلنا مشتتين عن عيش اللحظة، وفهم قوتها في دواخلنا.

لكل منا أهدافه وأحلامه في هذه الحياة، نبذل الكثير في سبيلها، ونعتقد بكل بساطة أن السعادة في تحقيقها.

عندما نحققها بمجهودنا، ونبلغ المحطة النهائية ننتشي من الفرحة، لكنها تبقى كغيرها مؤقتة، ونرجع لنتساءل في دواخلنا: ماذا بعد؟

لقد تحقق الحلم فرحنا وكانت السعادة في الرحلة تسافر معنا، وما إن وصلنا حتى غادرت بعدها، الواضح أن السعادة مهما طالت فهي مؤقتة، والواضح أيضاً أن السعادة هي في الرحلة، وليست في الوصول للمحطة.

أتعبتنا هذه السعادة، لا تكترث أبداً بنا، ودائماً نحن نبحث عنها، وهي تختبئ منا!

كيف يجد الأطفال السعادة بسهولة؟ ورغم براعتها في الاختباء، إلا أنها تفشل في التخفي عنهم. يجدونها في الأشياء البسيطة، في اللعب البريء في أي أماكن لا تخطر على بالنا، وزمان ليس في توقيتنا، إنها سر اللحظة يعيشونها بكل أجزائها، فارغين من هموم الماضي وتخطيطات المستقبل، عندها فقط يصبح للحظة معنى.

بعض الدراسات تشير إلى أن السعادة هي قليل من كل شيء حولنا، على سبيل المثال: عمل جيد وأسرة صغيرة ومعها صحة مستمرة وقليل من المال، جميع هذه الأشياء تشكل سعادة مستمرة.

ودراسة أكاديمية أخرى تشير إلى أن سر السعادة في العلاقات الاجتماعية، وأقول من الواضح أن لهذه السعادة دراسات كثيرة وأسراراً كبيرة.

jamal.alshehhi@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر