5 دقائق

وصفة الدين لعلاج الغلو

عادل محمد الراشد

ضرب إرهاب الغلو بروكسل قلب أوروبا السياسي، وباريس ضميرها الثقافي بواسطة أشخاص ولدوا ونشؤوا في بيئة أوروبية، وقبلها بسنين ضرب الفكر نفسه نيويورك قلب أميركا الاقتصادي وعنوانها الرأسمالي بواسطة أشخاص تعلموا في مدارس وجامعات غربية، وتعلو الآن عناوين سفك الدماء في سورية والعراق وليبيا أسماء أشخاص جاؤوا من مجتمعات أوروبية. لم ينشأ هؤلاء في مجتمعات مسلمة متدينة، ولم يتعلموا في مدارس دينية نظامية، ولم يتلقوا أفكارهم المتطرفة من جامعات ومؤسسات إسلامية معروفة، بل إن افتقادهم لكل تلك الأسباب الشرعية تداخلت مع ظروف نشأتهم المزدوجة الهوية، ما جعلهم طعماً سهلاً للصائدين في المياه العكرة من أرباب الظلام وشبكات الاتجار بفكر البشر وأجهزة المخابرات الهلامية التي تجاهد لجعل كل خيوط الحركة في العالم بين أصابعها، فتضرب القيم بالقيم وتشبك الشعوب ببعضها وتنشر الكراهية بين الناس لتكون الحرائق دائماً مشتعلة وتصبح فرقها هي المطلوبة للإنقاذ.

• علاج الانحراف الفكري لا يكون إلا بتمكين الفكر الأصيل ليكشف زيف المزوّر ويفضح المزوّرين.

وفي المجتمعات العربية والإسلامية أصبح للإرهاب دول مهدت له بيئات اجتماعية وسياسية وتعليمية شوهت الوعي الديني المستنير وسطحت الثقافة الإسلامية العميقة وأضعفت المؤسسات التعليمية الإسلامية العريقة التي طالما أغنت بلدانها ومن حولها بعلماء وفقهاء وباحثين أصيلين، فتركت المجال واسعاً لسراديب الظلام تستقطب الشباب فتسطح أفكارهم وتوغر صدورهم وتغيب عقولهم وتجعلهم نهباً للشياطين المتدثرين بعباءات الفضيلة والدعوة إلى الله بانتهاك حرماته والإفساد في أرضه.

علاج الانحراف الفكري لا يكون إلا بتمكين الفكر الأصيل ليكشف زيف المزوّر ويفضح المزوّرين. والحاصل بيننا وحولنا اليوم يكشف إلى أي مدى يمكن أن يدفع تضييق مسارات الثقافة الإسلامية الأجيال الناشئة ليكونوا صيداً سهلاً لتجار الكراهية المترصدين بالقيم الإنسانية الجميلة أينما كانت وحلت. فالدين إحساس فطري وجذوره في مجتمعات المسلمين ضاربة لم تستطع أن تقتلعها عقود من الحكم الإلحادي في دول المنظومة السوفييتية، ولم تفلح كل وسائل التغريب الثقافي والاجتماعي أن تحل بديلاً لها، والاعتقاد بأن علاج التطرف يكمن في تهميش القيم الدينية يحمل الكثير من المخاطرة بردود عكسية قد تسهل مهمة العازفين على وتر الدين، لإثارة المزيد من الفتن والصراعات والحروب في المنطقة والعالم.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر