أبواب

بين الكتابة والنشر

سلطان العميمي

حتى عقد التسعينات من القرن الماضي، كان النشر في الصحف والمجلات أمراً غير سهل، وكذلك تأليف كتاب وتوزيعه.

ثم شهد العالم ثورة كبيرة على صعيد وسائل التواصل والإعلام والنشر، وهي ثورة لاتزال عجلتها تسير بسرعة متزايدة يوماً بعد يوم، وبسببها تغيرت موازين النشر والانتشار.

إن قضايا النشر والإعلام باتت اليوم متداخلة وفي غاية التعقيد، ومن بين مختلف جوانب تعقيداتها، يمكننا تسليط الضوء على إحداها، وهي قضية النشر.

أذكر قبل سنوات قليلة مضت أن أحد الكُتّاب الشباب توجّه بمخطوطة أول أعماله المتواضعة إلى إحدى دور النشر لنشرها، ورغم أن هذه الدار كانت تتعامل مع ما يصلها من مؤلفات بتساهل كبير من حيث جودة المحتوى، إلا أنها لم توافق على نشر عمل ذلك الشاب لضعف مستواه.

• لا بأس؛ لتنشر دور النشر، وليكتب الشباب، ولنشجع من يستحق التشجيع منهم، ولننتقد من يستحق النقد منهم. في الأخير، سيفرض الجيد نفسه، طال الزمن أم قصر، ولا يجب الانزعاج في الوقت نفسه من الانتشار الذي قد تحصل عليه بعض الأعمال التي قد يراها بعضهم دون المستوى، فالقُرّاء أنواع وأشكال.

ثم ماذا حدث؟

توجه الشاب إلى دار نشر ثانية وثالثة ورابعة، وجاء الرد واحداً من هذه الدور: نعتذر عن عدم نشر العمل بصورته الحالية نظراً لضعف مستواه.

كان الكاتب قد سمع بقصص العديد من الكتاب العالميين الذين رفضت دور النشر في بداياتهم طباعة مؤلفاتهم الأدبية، ثم عثروا بعد عشرات المحاولات على دار نشر طبعت أعمالهم التي نجحت نجاحاً باهراً بعد ذلك، فظن الكاتب أن ما يحدث له شبيه بما حدث لهم، وأصر على النشر دون أن يخطر بباله أن العيب قد يكون في عمله! وبعد بحث سريع وجد أن استخراج رخصة دار نشر ليس أمراً صعباً، فاتجه إلى الجهات المختصة واستخرج رخصة تجارية وأصدر كتابه الذي أعاد طباعته أكثر من مرة رغم عدم نفاد نسخ طبعته الأولى، وأقام أكثر من حفل توقيع، كي يتذوق طعم النجومية.

كان بإمكان ذلك الشاب أيضاً أن يتجه إلى بعض دور النشر الشهيرة لتنشر له مقابل دفعه تكاليف طباعة عمله وشرائه عدداً غير قليل من النسخ كيلا تتكدس مخازنها بإصداره الذي يتم التعامل معه من منظور تجاري بحت.

لست في صدد إلقاء اللوم على جهة من الجهات، لكننا أمام واقع نعيشه ولا مفر منه.

اليوم، ندخل معارض الكتب، ونجد عشرات دور النشر الجديدة، وعشرات الأسماء الجديدة من الكُتّاب الشباب، وآلاف الزوار والقراء الذين يقفون بالساعات أمام هذه الدور لاقتناء إصداراتها. وفي الوقت نفسه يتذمر كثيرون من أن ما تنشره بعض الدور لعدد من الكتّاب هو دون المستوى، ومحتواه تجاري أو فارغ!

لا بأس؛ لتنشر دور النشر، وليكتب الشباب، ولنشجع من يستحق التشجيع منهم، ولننتقد من يستحق النقد منهم. في الأخير، سيفرض الجيد نفسه، طال الزمن أم قصر، ولا يجب الانزعاج في الوقت نفسه من الانتشار الذي قد تحصل عليه بعض الأعمال التي قد يراها بعضهم دون المستوى، فالقُرّاء أنواع وأشكال، وما قد أراه غير جيد قد يراه غيري خلاف ذلك، والعكس صحيح.

أما مطالبات بعضهم بمنع نشر الأعمال التي يرونها دون مستوى النشر، فهي مطالبات غير مجدية ولن تحل من الأمر شيئاً، إذ إننا نعيش في زمن أصبح فيه إصدار رخصة دار نشر أسهل من تأليف الكتاب ونشره.

buamim@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر