أبواب

السعادة الأبيقورية

جمال الشحي

يقول الفيلسوف اليوناني أبيقور: إن الهدف من الحياة هو السعادة.

•السعادة تختلف من شخص لآخر باختلاف النزعات الإنسانية. ولكن الشرط الأساس في تحققها أو وجودها يرتبط بمدى انسجام المرء مع نفسه، ومع محيطه، في الوقت عينه. فالسعادة ليست منفصلة بذاتها، وإنما هي تتناغم مع كل مكونات الوجود بتوليفة هارمونية عالية والمايسترو فيها الإنسان.

 هذا التفسير اللغز - بالنسبة لي - الذي تحدث عنه وناقشه قبل آلاف السنين في فلسفته المعروفة باسم «الفلسفة الأبيقورية»؛ يعني أن الإنسان منذ أن وجد على هذه الأرض كان همّه الأول هو تحقيق السعادة. وكان أبيقور في مدرسته الفكرية قد حدد مفاهيم أساسية لفلسفة السعادة، منها: لا تخف من الموت، لا تخف من الألم، عش حياتك ببساطة، وابتعد عن الشهرة والطموح السياسي، وكن مخلصاً في حياتك وعملك.

 عند قراءتي لهذه المبادئ توقفت عند مبدأين، الأول، «عش الحياة ببساطة»، والثاني، ابتعد عن الشهرة! وصراحة لا أعرف ما هو سر البساطة، الذي نادى به كثيرون من الفلاسفة قديماً، وهل كانت الحياة معقدة في زمانهم مثلما هي الآن؟

وهل البساطة بمفهومها المباشر قد تؤدي إلى السعادة؟

كثيرة هي الأسئلة التي راودتني وأنا أقرأ عن مفاهيم السعادة في الأزمنة الماضية، ومازلت في حالة بحث عن أجوبة تستجيب لشغفي وتروي ظمأ المعرفة لديّ.

المبدأ الثاني الذي توقفت عنده، هو مفهموم الابتعاد عن الشهرة عند هذا الفيلسوف المثير للجدل. وتساءلت: هل العزلة، والابتعاد عن الأضواء تجلب السعادة؟

تذكرت الساعين للشهرة بأقصر الطرق ومن كل الطرق، ويأخذهم بريقها الجاذب مآخذ شتى، فيعتقدون أن السعادة في الاقتراب من الوهج، ويتناسون أن المرء كلما اقترب من الأضواء أكثر فأكثر، يبدأ الاحتراق.

يقول صاحبي إن السعادة هي كما تتمنى نفسك أن تكون، أو كما تريد أن تكون. ما يعني أن السعادة بالمعنى المجرد تختلف من شخص لآخر باختلاف النزعات الإنسانية. ولكن الشرط الأساس في تحققها أو وجودها يرتبط بمدى انسجام المرء مع نفسه، ومع محيطه، في الوقت عينه. فالسعادة ليست منفصلة بذاتها، وإنما هي تتناغم مع كل مكونات الوجود بتوليفة هارمونية عالية والمايسترو فيها الإنسان. وعندما نقول الإنسان هو المايسترو، نقصد الإنسان الفاعل؛ أي العقل الواعي، الأداة الوحيدة التي تجعل الإنسان يترك بصمته على صفحات الوجود. فالسعادة حينها تصبح خلاصة جهد الإنسان، ومقياسها رهينة بمدى نجاحاته في كل ما يقوم به في الحياة.

السعادة موجودة في هذا الوجود، وممكنة لكل البشر، بمختلف أهوائهم وطموحاتهم. ولكن كيف نجدها؟ إذ يستحيل أن تجدها قبل أن تجد نفسك، وتعرف ماذا تريد من هذه الحياة. هي حولنا، تحيط بنا ونحيط بها من كل الجهات، إلا أنه يلزمنا الكثير حتى نجدها، ويلزمنا الكثير حتى نجد أنفسنا. واعذروني هنا لا أريد أن أتحدث مثل الفلاسفة، لكن فهم السعادة عملية ليست سهلة من دون معرفة ذاتنا، رغم معرفتنا أنها موجودة وتحيط بنا من كل الجهات.

وأنا أفكر في مفاهيم السعادة؛ سواء منها الأبيقورية أو المعاصرة تذكرت في ما قرأت، أن خالد بن صفوان قال لامرأة تخطب النساء: اطلبي لي زوجة.

فقالت: صفها لي، فقال: أريدها بكراً كثيب، أو ثيباً كبكر، حلوة من قريب، فخمة من

بعيد. كانت في نعمة فأصابتها فاقة وفقر، فمعها أدب النعمة وذل الحاجة، فإذا اجتمعنا، كنا أهل دنيا، وإذا افترقنا كنا أهل آخرة. فقالت الخاطبة: لقد وجدتها. قال: وأين هي؟!

قالت: في الجنة فاعمل لها.

وأنت يا صاحبي تريد أن تكون سعيداً؛ ابحث جيداً في داخلك.. تصالح مع ذاتك، وستجد ما تبحث عنه بيسر وسهولة متناهية.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر