أبواب

عام القراءة والنور في الإمارات

سلطان العميمي

تنقطع علاقة بعض الأشخاص بالكتاب بمجرد مغادرتهم مقاعد الدراسة. إنه أمر أشبه بمن ينزل من القطار الذي يستقله في مشوار حياته، مكتفياً بالوصول إلى محطة من المحطات.

 • القراءة، أحد خياراتنا الأهم لحمايتنا من التخلف والأفكار المسمومة التي تبثها تيارات الإرهاب والتشدّد والطائفية، وهي تلعب على أوتار العواطف الدينية لتنفيذ سياستها وتحقيق أهدافها.

 أمام القطار محطات كثيرة، متنامية ومتزايدة، وهي أكثر ازدهاراً وحضارة من سابقاتها، وكلما مضى القطار أكثر، صارت محطاته السابقة أقل تحضراً.

 إن القراءة ليست محطة استراحة واسترخاء، بل هي قطار يمضي بك نحو ضوء أكبر، لذلك، يقرأ الإنسان ليمحو جهله، ولا نقصد بالجهل عدم القراءة والكتابة فقط، بل هو، بحسب معاجم اللغة: «التَّقدُّمُ في الأُمور المنبهمَة بِغَير عِلْم». وهو أيضاً: «اعتقادُ الشيء بخِلافِ ما هو عليه، وفِعْلُ الشيء بخلاف ما حقه أن يُفْعَلَ سواءٌ اعتُقِد فيه اعتِقاداً صحيحاً أم فاسِداً».

إذاً لم يعُد كافياً إلمامك بالقراءة والكتابة لتمحو جهلك!

لم يعد ذلك كافياً في دولة الإمارات التي صدر عنها تقرير رسمي في أواخر عام 2014 عن نسبة الأمية فيها، وأشار إلى وصولها إلى نسبة صفر بالمائة.

ثم ماذا بعد نسبة الصفر؟ هل تحقق الهدف الذي وضَعَتْهُ القيادة نصب عينيها؟

إن القرار الصادر في أواخر عام 2015، في ضوء توجيهات صاحب السمو رئيس الدولة بأن يخصص عام 2016 عاماً للقراءة، كشف لنا أن القضاء على الأمية لم يكن إلا بداية مرحلة جديدة في مسيرة الدولة، تحمل رؤية أشمل وأوسع وأعمق.

هناك جهلٌ أكبر تريد دولتنا محوه، رغم كثافة انتشار مؤسساتها التعليمية، ومؤسساتها الثقافية التي تقدم أنشطة وفعاليات مستمرة على مدار السنة في جميع إمارات الدولة، بما فيها معارض الكتب، إلا أن ذلك لايزال - وفق رؤيتها - غير كافٍ لديها لبناء المواطن الإماراتي فكرياً.

إن الدعوة الرسمية إلى تخصيص عام للقراءة في دولة الإمارات، ليست دعوة إلى إمساك كتاب وقراءته في وقت الفراغ، بل هي دعوة إلى تغيير نمط حياة الإنسان على هذه الأرض، بعد أن زوّدته المؤسسات التعليمية بكل المقومات اللازمة للتفكير والعطاء لبناء هذا الوطن، كي يستمر في مشوار مسيرته في ركب التطور العالمي، في زمن لا مكان فيه للمتخلفين عن قطاره المنطلق بسرعة كبيرة.

نحن في عصر، لم يعد فيه معنى الجهل أو الأمية مرتبطاً بإجادة القراءة الكتابة، بل تعداه إلى آفاق أوسع، تُعنى بالوعي وبناء الإنسان من الداخل، كي يكون ملمّاً بتاريخه، واعياً بحاضره، مستشرفاً مستقبله في عالم متغير ومتطور على مدار الساعة!

ومن يتأمل أول آية قرآنية نزلت على نبينا الكريم، يجد أن أمر القراءة فيها اقترن بالتفكر في أمر الإنسان وحياته وماضيه وإدراكه ما حوله.

إنها القراءة، أحد خياراتنا الأهم لحمايتنا من التخلف، بما فيه تخلّف الأفكار المسمومة التي تبثها تيارات الإرهاب والتشدّد والطائفية، وهي تلعب على أوتار العواطف الدينية لتنفيذ سياستها وتحقيق أهدافها.

إنها القراءة، خيارك الأهم لتضيء شمعة بدل لعن ظلام ذلك التخلف والإرهاب.

وإنه الواقع المعاصر الذي يخيّرك بين أن تنزل من القطار لتعيش متأخراً عن ركب الحضارة والتطور، أو تمضي معه وبه نحو غد أجمل لوطنك ولك وللجيل القادم.

اقرأ، واصنع غداً أجمل لبلادك.

 buamim@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر