٥ دقائق

هل سنحب القراءة؟!

عادل محمد الراشد

بادرتني ابنتي بالتهنئة على العودة إلى الكتابة، فانفرجت أسارير وجهي سائلاً: هل قرأت العمود؟ فأجابت بابتسامة المستحي: كلا، ولكنني سمعت عن ذلك. انكمشت الأسارير في وجهي قليلاً، وهي تخفي خلفها إحساساً بالخيبة، ولساناً يقول هامساً: «من سمع لا كمن قرأ يا بنية».

 هل يمكن أن يختزل هذا الموقف حال القراءة عند أجيالنا الصاعدة؟ وهل يعني ذلك أن القراءة تعاني أزمة مستحدثة عند جيل اليوم، أم أنها أزمة مزمنة كسائر الأزمات التي تعيشها المجتمعات العربية، منذ أن بدأ التسطيح يجتاح كل مجالات الثقافة والفنون والإعلام، ولم يسلم الأدب وحتى السياسة والدين من غثاء زبده؟ ثم جاءت تقنية الاتصال الحديث لتجعل الرسوم المتحركة المعلبة هي مصدر المعرفة والحصول على المعلومة إلى جانب الترفيه المضلل لصغارنا الذين أصبحوا متعلقين بجهاز «آي باد» أكثر من تعلقهم بالخادمات، ولا أقول الوالدين، لأنني أعتقد أنهما تراجعا إلى المرتبة الثالثة!

 القراءة سلوك مبني على نمط حياة، وكل ما يدور حولنا يؤسس لسلوك ينبذ القراءة، ويضعف الكلمة لمصلحة الصورة، ويشكل نمط حياة تحكمه مقولة «سرعة العصر»، ويتحكم فيه الشعور بالتوتر، وتكاد تغيب عنه قيمة الصبر وروح المثابرة، وحتى المناهج التعليمية صارت تتجه إلى الاختصار، بحجة التخلص من «الحشو»، والكتب المدرسية تعرضت للاختزال والهزال، بدعوى السرعة في إيصال المعلومة، واللغة العربية أجبرت على التراجع والانسحاب من معظم مواد المنهج المدرسي، والانكفاء بين جلدتي كتابي مادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية فقط لا غير، لأنها لم تعد لغة للعلم، والمكتبة المدرسية أصبحت جزءاً من «الديكور»، وإن طلب بحث كان بغير العربية، وإن تقرر مشروع دراسي صار «بروجكتاً».

 قبل سنوات، نقلت في مقال عن أزمة القراءة عندنا، صغاراً وكباراً، من إحدى المجلات الأسبوعية، قول الممثلة الأسترالية نيكول كيدمان، إنها عودت أطفالها على القراءة بالاتفاق معهم على قراءة صفحات من كتاب كل ليلة قبل الخلود إلى النوم، وأنهم اتفقوا على أن يطرق أحدهم حاجز الجدار الخشبي، الذي يفصل بين الغرف، لينبه الآخرين لمغالبة النوم ومواصلة القراءة حتى الساعة 9:30 مساء، فصارت القراءة عادة، وأصبحت العلاقة مع الكتاب جزءاً من نمط الحياة.

عامنا الجديد 2016 سيكون في دولة الإمارات عاماً للقراءة، بناء على توجيه سامٍ من صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، وقد وضعت الحكومة لهذا التوجه إطاره الوطني الذي سيضمن آلية التنفيذ، والرجاء أن تلتقي كل الإرادات لتحقيق الهدف، ولا تترك الحكومة بمفردها تغرد بينما تواصل بقية مؤسسات المجتمع ذات العلاقة التغريد خارج ذلك الإطار.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر