أبواب

إكسير الحياة

جمال الشحي

إذا كنت مثلي وسنحت لك الفرصة، بقراءة رائعة الكاتب هنري ميللر «الوصول إلى عمر الثمانين»، التي صدرت في بداية السبعينات الماضية، ستصل مثلي إلى نتيجة مشتركة وهي أن سنوات العمر لا تهم.

• في الحقيقة إن العمر ليس الجسد. ومع ذلك هناك شيء يكبر فينا، ربما هو ليس بجميل كفاية، ولكن هناك شيء آخر يكبر معنا، وهو شيء جميل من دون شك، شيء مدهش تجد به صباك وشبابك وشيخوختك، فالأرقام التي تحسب علينا الزمن، وتصنفنا بخانات نرضى عنها حيناً ونسخط عليها أحياناً، نحن الذين كتبناها وحسبناها بأيدينا، عندما عشناها بالعرض والطول.

يقول ميللر في بداية كتابه: «إذا بلغت الثمانين وكنت بصحة جيدة، ولست مقعداً أو عاجزاً، وتستمتع حتى الآن برياضة المشي المفيدة.. إذا كنت تستطيع الخلود إلى النوم من دون حبوب منومة.. إذا الطيور والأزهار والجبال والبحار مازالت تصنع إلهامك، فأنت إنسان محظوظ، وعليك أن تجثو على ركبتيك وتشكر الرب صباحاً ومساءً على لطفه بك ورعايته لك».

سواء اتفقنا مع الكاتب أو اختلفنا في فهمه لجدلية العمر وصراعنا نحن البشر مع حب البقاء، إلا أنه يقدم رؤية مميزة، تنطوي على خلاصة فلسفته للحياة، وهي رؤية جديرة بالقراءة والتأمل والمناقشة «كمان وكمان»، بعد الإذن من يوسف شاهين على الاستعارة. هذا بعد التذكير المسبق، بأنني لست هنري ميللر، وأشدد على التذكير بأنني لم أبلغ الثمانين بعد. ولكنني عندما رحت أدبّ على عتبات الأربعين بدأت أفكر بطريقة مختلفة، فهذه المرحلة من العمر لها في وعينا وتراثنا وثقافتنا حضور مختلف، حيث يتضخم الجسد وينضج العقل، ولكن هل تنضج الروح معه؟

صديقي خسر عشرين كيلوغراماً من وزنه، في ريجيم متعب، وعندما تقابلنا قلت له: أين ذهب عشرون بالمائة من جسمك؟

قال لي: كانت إضافة ثقيلة لا أحتاجها الآن!

وحالما سألته: متى تحتاجها إذن؟

لم يجب بشيء، فقط راح يضحك، وضحكت معه من دون معرفة سبب وجيه للضحك؟!

في الحقيقة إن العمر ليس الجسد. ومع ذلك هناك شيء يكبر فينا، ربما هو ليس بجميل كفاية، ولكن هناك شيء آخر يكبر معنا، وهو شيء جميل من دون شك، شيء مدهش تجد به صباك وشبابك وشيخوختك، فالأرقام التي تحسب علينا الزمن، وتصنفنا بخانات نرضى عنها حيناً ونسخط عليها أحياناً، نحن الذين كتبناها وحسبناها بأيدينا، عندما عشناها بالعرض والطول!

العمر يا صاحبي حالة عقلية نفسية نحن من نتحكم فيها، فلماذا كلما مرت سنة من أعمارنا، ندعها تتحكم فينا؟

إذا بلغت الأربعين وأنت تستعد بحماس لجولة قادمة من حياتك، وتشعر بصدق أن ما يهم في النهاية هو «الآن»، هذه اللحظة التي تعيشها بكل حواسك، إذا كنت قد تعلمت من الخيبات وتعلم أن هناك خيبات أخرى قادمة، فأهلاً بك في عضوية النادي. إذا لم تحقق حتى الآن أهم أمنياتك، وسبقك جميع أصحابك بالوصول إلى خط النهاية قبلك؛ ومع ذلك مازالت شعلة الأمل بغدٍ أفضل، لا تريد أن تنطفئ بداخلك، فمرحباً بك معنا. إذا كان وزنك يسبب لك مشكلة، والذهاب إلى التدريب يسبب لك مشكلة أخرى.. إذا كان القلق يجلس معك في المقعد الأمامي، يشاركك رحلة العبور في ممرات الحياة ويسبقك أحياناً.. إذا كان الحزن يطرق كل ليلة نافذة قلبك، ويقدم لك خدماته من دون مقابل، فأنت الآن عضو أصيل في النادي. وتأكد جيداً أن هناك كثيرون مثلك؛ لم يفهموا الأربعين ولم يحاربوا الوقت بأسلحته عينها.

ينتظرك الكثير يا صاحبي، عمرٌ مضى وآخر قادم على عجل، فالحياة لا تعبأ بك، ولا الوقت أيضاً، والنهايات السعيدة قد تجدها في الأفلام والروايات، أمّا الحياة فلها منطق مختلف.

تريد أن تقترب أكثر؟ عليك أن تعرف أكثر. ابحث كالآخرين عن إكسير الحياة، ولسوف تجده في قلبك الشاب وروحك الشابة.

jamal.alshehhi@gmail.com

تويتر