٥ دقائق

المرض ليس عيباً

خالد الكمدة

قيل في ما توارثنا من الحكمة، إن «معظم النار من مستصغر الشرر»، وقد نرى ذلك في أيامنا هذه واضحاً جلياً في بيوتنا، وفي ما ينعكس من اضطراب مفهوم التربية بين الآباء والأمهات. شرارات قد تبدو صغيرة، تلمع في جولات طارئة من حياة الأبناء، يتعامل معها الوالدان مرة «بتفتح».. وحجتهم «نحن آباء وأمهات عصريون»، ومرة بلا مبالاة.. مبررهم أننا في عصر العولمة ولا يمكن حجب شيء عن الطفل أو منعه منه، ومرة بدلال فائض تغلفه عاطفة مفسدة.. «لا نريد أن نحرمهم شيئاً ولا أن يزعجهم شيء».

• حماية الأبناء وتحصينهم مما خفي من المخاطر مسؤولية جسيمة، وتفوق في أهميتها الرعاية والمحبة والدلال.

 نترك فلذات أكبادنا ينتقلون بين شرارة وأخرى، بين ما نستصغر من مظاهر وظواهر، غير مدركين أنها قد تلحق مرة بطرف ثوب الابن فتحرقه، وقد تصيب منه غضاضة فتشعله، وقد ننتهي إلى اكتواء قلوبنا فيما يحترق من حياة أبنائنا ومستقبلهم.

 حماية الأبناء وتحصينهم مما خفي من المخاطر مسؤولية جسيمة، وتفوق في أهميتها الرعاية والمحبة والدلال، لأن صلابة مكونات اللبنات الأساسية للمجتمع وسلامة تأسيسهم وتربيتهم، هما الضمان الأمثل والأفضل لحماية المجتمع واستقراره واستدامة ازدهاره.

أن يعلق يافع بين الخامسة عشرة والعشرين من العمر في شَرَك المخدرات، يعني أنه كان يحوم حولها، يعني أنها التقطت طرفه، ثم طرفه الآخر، قبل أن تبتلعه، يعني أنه غاب عن عين الأم والأب فترات، وأغفلا بلامبالاة أو بإهمال ما بدا عليه من دلالات التعب وصفات الضحية، يعني أن أحدهما أو كليهما لم يسهر مرة للاطمئنان على صحته ولم يضطرب أبداً لملاحظة وجهه الشاحب أو عينيه الزائغتين. أن يمرض شاب في مقتبل عمره بالإدمان يعني أنه لم يلقَ اهتماماً أو رعاية أو حماية من أم ولا أب في بدايات مرضه، وعندما كانت وقايته ممكنة وإنقاذه سهلاً.

حماية الطفل من بيئات المرض المعدية كانت دوماً شاغلاً للأم، فكيف لا تكون وقايته من شرارة العدوى بالمخدرات همّها وشاغلها؟ وكيف لا تلتفت الأم لعلامات قد تبدو جلية في عزلته أو تأثر مستواه الدراسي أو حتى ضعف جسده وتتركه وحيداً ينغمس في رمال المخدرات المتحركة؟ وأين هي الرعاية الأبوية التي تتكامل مع حنان الأم ولا تتعارض؟ أين هو الحزم في مواجهة المخاطر، والعزم على انتشال ابنه من مرض الإدمان المعدي والخطير، واحتواؤه ليتجاوز محنته؟ ومتى ستصبح الشجاعة في محاربة كل شرارة خطر تصيب فلذات أكبادنا أقوى من خوفنا من العيب والعار؟ ومتى سيصبح حرصنا على حمايتهم من كل ما قد يزل بهم عن طريق الصواب، أكبر من حرصنا على تزويدهم بأثمن الهدايا والمنتجات؟

 @KhaledAlKamda

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر