مزاح.. ورماح

«أبو الهموم»!

أحمد حسن الزعبي

يحكى أن رجلاً طيباً عطوفاً، كان يعيش مشغولاً بهموم غيره، إلى الحد الذي لم يجعله يهنأ بطعام أو شراب أو قيلولة أو نوم في حياته.. فهو يتفاعل مع ما يسمع ويشاهد من هموم الآخرين، الصغيرة والكبيرة، حتى أصبح دائم الزهد في الدنيا، عازفاً عن ملذاتها، بسبب رقة عاطفته و«غلظة» عقله..

وذات مساء اشترى «كيلو كنافة»، وأثناء عودته إلى البيت قابله جاره القريب، ثم أخبره - على سيرة الكنافة - أن مصطفى ابن خالة زوج أخت زوجة شقيقه، قد أصيب بـ«السكري» حديثاً.. «تولول» كثيراً «أبو الهموم»، ثم رمى «الكنافة» على سياج المقبرة، لـ«يتحلى» بها الأموات، وقال: معقول آكل كنافة بينما مصطفى ابن خالة زوج أخت زوجة أخ جاري مصاب بـ«السكري»؟! ثم استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم، وعاد إلى البيت متكدراً.

في اليوم التالي، عزمه صديقه البدوي على «لبن عيران» في بيت الشعر، وقبل أن يشرب شربة واحدة من كأس الألمنيوم، نظر في وجه «عنزة» مضطجعة في الظل، بينما الحزن والتعب و«حمة البال» والهموم تبدو عليها، وضع كأس اللبن جانباً، ثم أخرج ما تيسر من محفظته وأعطاه «للعنزة»، محاولاً أن يفهمها أن هذا المبلغ، لتشتري ما تشتهيه، اندهش البدوي من تصرف الضيف، فقال له «أبو الهموم»: «يا رجل حرام عليك، هاظ وجه ينشرب منه لبن»؟.. ثم استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم، وعاد إلى البيت متكدراً.

في اليوم الثالث، سمع في الراديو أن طفلاً في الصين ولد بأذن واحدة، ترك «أبو الهموم» صحن الفول في مكانه قبل أن يأكل لقمة، وأعاد رأس البصل إلى عامل الكافتيريا ودفع الحساب، سأله الأخير عن السبب، فقال: «ما سمعت الخبر؟ معقول آكل فول والولد بأذن واحدة؟!». ثم استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم، وعاد إلى البيت متكدراً.

مرت السنين، وكل يوم يعود إلى البيت متكدراً، بعد أن يصادف أو يتخيل هماً أو مشكلة أو خبراً أو قصة.. وذات يوم عاد إلى البيت يقطر تفاؤلاً وانبساطاً، متمتعاً بشهية كبيرة، من غير أن يكدر خاطره شيء.. ثم أمر زوجته بأن «تحضّر الغداء» فوراً، قبل أن يحدث حادث «ينزع عليه الطبخة».. زحف الرجل على ركبتيه باتجاه الطعام.. وكعادة النساء حاولت زوجته أن تحكي له ما سمعته هذا الصباح.

- الزوجة: «دريت يا أبو فلان»!

- «أبو الهموم»: خير؟!

- الزوجة مبتهجة: حمارة ضرة خالة مرت ابن عم أمي ولدت جحشاً من غير ذيل!

- «أبو الهموم» ممتعضاً: شيلي الغدا، يلعن الساعة اللي شفتك فيها..!

- الزوجة: مالك يا رجل؟

- «أبو الهموم»: كيف يجيني نفس، وابن حمارة ضرة خالة مرت ابن عم أمك بلا ذيل؟ لمين يهزّ ذنبه المسكين؟!

ومنذ ذلك التاريخ والرجل لايزال يفطر ويتغدى ويتعشى هموم ومشكلات ومصائب غيره.. دون أن يشعر به أو يشكره أحد!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر