٥ دقائق

الرجل الواقف

الدكتور علاء جراد

من الصعب على المرء أن يواصل مسيرته، وأن يُصر على إيمانه بقضية ما من دون أن يكون هناك من يدعمه ويؤازره، وحتى مع الدعم فقد يتسرب اليأس إلى نفس الإنسان فيقرر الانسحاب والتراجع. لكن قلة قليلة هي التي تثبت على مبادئها ولا تتراجع مهما كلفها ذلك. وعلى الرغم من أن الموضوع شائك لأن مسألة الصواب والخطأ قد تكون مسألة نسبية، فيمكن مثلاً أن يتخلى البعض عن مبادئهم أو قضيتهم من أجل رفع الضرر عن ذويهم أو أصدقائهم، لكنّ هناك آخرين لا يتأثرون بمسألة رفع الضرر، ولا يبالون بما قد يحدث طالما أنهم يخدمون قضية أكبر.

الثبات على الحق، والإيمان بقضية عادلة، من شيم الأبطال، وهؤلاء هم من يغيرون العالم ويجعلونه مكاناً أفضل للعيش.

 هذا بالضبط محور العمل الرائع «جسر الجواسيس» الذي قام ببطولته المتألق دائماً توم هانكس. في هذا الفيلم، المستوحى من قصة حقيقية إبان الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي آنذاك، (روسيا حالياً)، يتم إسناد مهمة الدفاع عن جاسوس روسي كهل، إلى محامٍ أميركي (توم هانكس)، حيث رفض جميع المحامين الدفاع عن «جاسوس» يضر بالولايات المتحدة، لكن بطل الفيلم كان له رأي مختلف، وهو أن يحظى المتهم بمحاكمة عادلة ونزيهة ويتم تطبيق القانون كما ينبغي، خصوصاً أن إجراءات القبض على الجاسوس شابها القصور. وقد أصبح قبوله لهذه القضية سبباً كافياً لأن يقف الجميع ضده، بمن فيهم زوجته وأولاده. وتستمر أحداث الفيلم، حيث يفكر بطل الفيلم بطريقة عملية، وهي عدم إعدام الجاسوس، فهو رجل مسن، وأخلاقياً لا يجوز إعدامه، كما قد يفيد لاحقاً في تبادل جواسيس مع العدو، فالولايات المتحدة أيضاً لها جواسيس في روسيا، وقد يقع أحدهم في قبضة الروس. وقد نجح أن يُقنع القاضي بحُجته، ليس هذا فقط، بل إن السيناريو الذي تخيله قد حدث بالفعل، وهنا تلجأ إليه حكومة الولايات المتحدة للتفاوض في عملية التبادل بطيار أميركي تم أسره أثناء تجسسه على مواقع سوفيتية.

لقد تم تكريم هذا المحامي من رئيس الولايات المتحدة، ليس هذا فقط بل كلفه الرئيس بالتوسط لدى كوبا لإطلاق سراح أكثر من 9000 سجين. إن الثبات على الحق، والإيمان بقضية عادلة، من شيم الأبطال، وهؤلاء هم من يغيرون العالم ويجعلونه مكاناً أفضل للعيش، ويتركون وراءهم إرثاً ودروساً للتعلم. الشيء المحوري في هذه المعادلة هو التأكد من عدالة القضية التي يتبناها الإنسان ويكافح من أجلها. فقد يكافح الكثير لكن للأسف تنطبق عليهم الآية الكريمة {الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحُسنون صنعاً} (الكهف ـ 104).

 @Alaa_Garad

 Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر