٥ دقائق

لأجل رجال المستقبل

خالد الكمدة

«كان لدي أبناء خمسة، فقدت البكر في حادث دراجة أليم بينما كان في رحلة برية، ذبلت معه كل أحلامي التي علقتها عليه بعد أن أصيب أخوه الأصغر بمرض مزمن. في انتظار أن تنتعش أحلامي الذابلة كنت أغدق على الثالث بالعطاء والدلال، منحته حرية مطلقة ولم ألق بالاً لنصائح جده بأن الزائد كالناقص، حتى تلقيت اتصالاً في ليلة مظلمة من قسم الشرطة، يبلغونني فيه بإيقافه متعاطياً نشطاً للمخدرات، بات بعدها زائراً دورياً للسجن، يخرج ويعود، وصار رابعهم على إثر ذلك ملازماً لأجهزته الذكية، لا أصدقاء له ولا نشاطات، يكاد يعجز عن صياغة جملة مفيدة، ويفضل غرفته على أي مكان آخر، يريحني وجوده الدائم أمام عيني، ويرعبني شبح الأفكار الشاذة التي قد تتسلل إليه وتدس له السم في الدسم.. هذه هي قصتي».. توقف أبوسهيل تخنقه العبرة، وساد الصمت.. فلم يكن التعقيب على قصة حزينة كقصته تتكرر في الكثير من البيوت وفي العديد من الأحياء أمراً سهلاً.

• الأسرة هي خط الدفاع الأول، والتربية ليست إغراقاً للطفل بالدلال ولا منعاً له من الصحب، بل مجموعة مهارات تغلفها الحكمة.

 

قضية هذا الرجل هي قضية أمّة، قضية أمن واستقرار، أبناؤه عينة من شبابنا الذين سنمنحهم زمام المستقبل، وسيقودون عجلته، أطفال وشباب اليوم هم الكنز والثروة التي يخشى عليها، ولأجل سلامتها واستقرارها وحمايتها من كل المخاطر يجب علينا أن نثابر في العمل بعزيمة وبلا كلل، حتى لا يؤتى أمننا واستقرارنا وتطورنا من مفاتيح مستقبلنا ورجاله.

 الأسرة هي خط الدفاع الأول، والتربية ليست إغراقاً للطفل بالدلال ولا منعاً له من الصحب، بل مجموعة مهارات تغلفها الحكمة، يجب على كل أسرة تعلمها وإتقانها، والمخدرات خطر رفعنا درجته إلى اللون الأصفر قبل سنوات، فلم يعد مقبولاً أن يمر طفل أو شاب بمراحل إدمان طويلة من دون أن يلاحظها ويتدخل لتفاديها أب ولا أم، حتى يصبح الشاب مدمناً نشطاً وزائراً دورياً للسجون.

ليس مقبولاً في زمن ازداد فيه وعي الوالدين وتعليمهما أن تجد طفلاً في المرحلة الإعدادية متعاطياً لحبوب أو مواد مخدرة، وعلامات التعاطي تلفه من رأسه حتى أخمص قدميه دون أن يقرأ ذلك الوالدان أو ينتبها إليه، لم يعد مقبولاً أيضاً في عصر العلم أن نتكتم بجهالة على قضية تهدد مستقبل أبنائنا وألا نطلب المساعدة خوفاً من «العيب».

تهدد شبابنا مخاطر كثيرة، قد يكون بعضها خارجاً عن طاقتنا، ولكننا قادرون على تحصينهم من أكثرها إن عزمنا على ذلك، ووأدنا الخطر في مهده قبل استفحاله، والمخدرات خطر فاحش لا يتقن التخفي، فكيف نُهزم أمامه وكيف نتركه يكسب الجولات؟!

 @KhaledAlKamda

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر