كل جمعة

«الإمارات تبتكر»..

باسل رفايعة

العنوانُ شعارٌ لأسبوعٍ يبدأُ بعدَ غدٍ مزدحماً بـ800 فعالية في دولةٍ عربية تبحثُ عن الآفاق والفرص الجديدة، ويعنيها أكثر ما يعنيها رفاهُ شعبها وتنميته ثقافياً، ليعيشَ في مكانٍ آمن، يتقدمُ على مؤشرات التنافسية الدولية، ويقفزُ خارجَ تصنيف العالم الثالث. فهذه دولةٌ تسيرُ على إيقاعٍ خاص، ولا تتورّطُ في صناعةِ الشعارات المقدَّسة والرنّانة في الإقليم، تلكَ التي جرَّبها العربُ، ودائماً كانت تُخْفِي نقيضها، وتُضمرُ كثيراً من الاستعلاء والغرور.

• «الأمرُ هنا ليس مرتبطاً بالمال فقط، إنه يحتاجُ إلى إرادةٍ واعيةٍ للتغيير، مثلما يلزمه تخطيطٌ ورؤيةٌ وفريقٌ تخلَّى عن ذهن الموظف، لصالح دور المبدع المبادر والدؤوب».

الحدثُ الإماراتيُّ أصبحَ سنوياً، ومسعاه ابتكارُ الحلول، وهو لا يُوجّهُ رسائلَ مباشرة لأحد، ولا يسعى لفرضِ أيّ نموذج أو تصديره، فمنطقتنا شديدةُ التحسُّس، عندما يتعلّق الأمرُ بالنجاح، بل إنها تخافه، وترتابُ منه، كما يفعلُ كلُّ الذين يُصرّون على الخسارات.

الحكومةُ الإماراتية هي التي تقودُ «أسبوع الابتكار»، لا شركات أجنبية، ولا وكالات خبرة من وراء البحار. المسؤولون والموظفات والموظفون مواطنون، والجهات المبتكرة وزاراتٌ ومؤسساتٌ حكومية في إطار شراكة مع القطاع الخاص. وفي الحدث الذي يعمُّ الإمارات السبع مختبراتٌ ومبادراتٌ وبرامج تفاعلية، تطالُ التعليمَ والنقلَ والطاقةَ والصحة وسائر الخدمات والقطاعات، فلم تعد أفضلُ الممارسات حكراً على الدول الكبرى، فالنسخُ يظلُّ نسخاً، وأنتَ مطالبٌ بخطّكَ وصفحتكَ وكتابكَ، من أجلِ قراءةٍ واثقة ودقيقة.

كلّ ذلك في سياق فهم الدولة لما بعدَ اختراعِ العجلةِ والكمبيوتر وثورة التقنية، وما بعدَ نضوب النفط، فأنتَ تحتاجُ إلى الابتكار، لتكونَ العجلةُ أكثر قوةً وقدرةً على المشي نحو المستقبل، وتجدُ أرضاً ملائمة، وذكاءً يدفعها اليوم، لتواجهَ الوعورةَ غداً.

البحث عن الحلّ الذكيّ، والذهاب إلى الابتكار، لا يتطلّبان إمكاناتٍ مالية، من حيث يتذرّع كثيرون بذلك لتبرير البطء والعجز، كلّما تحدثتَ أمامهم عن التنمية المختلفة. نحن لسنا بصدد مشروعات عقارية أو سياحية، أو أخرى تستظلُّ بعوائد النفط. الأمرُ هنا ليس مرتبطاً بالمال فقط، إنه يحتاجُ إلى إرادةٍ واعيةٍ للتغيير، مثلما يلزمه تخطيطٌ ورؤيةٌ وفريقٌ تخلَّى عن ذهن الموظف، لصالح دور المبدع المبادر والدؤوب، ففي كثيرٍ من الدول العربية والإسلامية، لاتزالُ المناصبُ الحكوميةُ غنائمَ ومكافآت، تُقدِّمُ اعتبارَ الولاء على معيار الكفاءة، ليكونَ تعميمُ الفشلِ عنواناً لإخفاق مفاصلِ الدول ومخرجات أدائها الكليّ.

«الإمارات تبتكر» شعارٌ يتجسَّدُ يومياً، ليكونَ الابتكارُ ثقافةً، تتحدى الإحباطَ والجمود، فالنجاح يُعلّمك التواضع، وقد عشنا، ولانزال، فشلَ الشعاراتِ الكبيرةِ والبرّاقةِ في أوَّل اختبارٍ بسيط. إنها مثل ذلك الرجل الذي اختارَ حجراً ثقيلاً لمشاجرةٍ منتظرة، وحين دهمه الخصومُ، لم يستطع حملَ حجره، فسقطَ بحصاةٍ صغيرة.

شعار «الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة»، مثل «لا صوتَ يعلو على صوت المعركة»، مثل مئات العبارات الإنشائية، لم تحتمل صوتَ طفلٍ جائع، ولا كرامةَ العيش لامرأة ورجلٍ في وظيفة وخبز ومسكن، ثم كان دمٌ وعذابٌ وربيعٌ من الجثث والمناحات والانتحاريين.

ما يحدثُ في الإمارات الآن هو الممكنُ المختلفُ في هذا الانسداد المُطبق على المنطقة، والأشد على العرب، وقد باتوا منذورين لليأس والخوف، وبات الوصولُ إلى شاطئ غريب حُلماً، فيما تُطلُّ الكوابيسُ من سيارة مفخخة، وحزامٍ ناسفٍ في شارعٍ ومسجد وكنيسة، وفيما يتكاثر الظلامُ على الظلام، وتطفو الأكاذيبُ مع الشعارات والأحزان.

brafayh@ey.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر