أبواب

روايات شخصية

يوسف ضمرة

تُنشر في العالم العربي سنوياً مئات الروايات؛ نحن أمام آلاف الروايات في هذا العالم الناطق بالضاد، كم رواية حظيت باهتمام جماهيري؟ كم رواية أدرجتها التربية والتعليم في مناهجها؟ كم رواية اعتمدها أساتذة الجامعات لطلابهم في سياق التعريف بالأدب الحديث وتقنياته؟

في الغرب يتهافت الناس العاديون على شراء الروايات الجيدة، لأن القراءة هناك فعل إنساني عادي يشبه التسوق والألعاب.

يقول علم النفس إن أطواراً متشابهة في النمو يمر بها الناس جميعاً، منذ الولادة حتى البلوغ، وهذه الأطوار لا تخرج عن التفكير في ماهية الشخص، ووالديه والقيود الاجتماعية.

يصبح السؤال مشروعاً: لماذا؟ ولمن تُكتب هذه الروايات كلها؟ ولماذا تُخصص لها الجوائز على امتداد العالم العربي؟

في الغرب، يتهافت الناس العاديون على شراء الروايات الجيدة، لأن القراءة هناك فعل إنساني عادي يشبه التسوق والألعاب. وفي الغرب لا تجامل دور النشر أحداً. هناك توجد لجان لقراءة النصوص قبل طباعتها، حتى لو كانت دار النشر خاصة، وحتى لو تكفل صاحب النص بتكاليف الطباعة. بينما تقوم دور النشر العربية بدفع المخطوط إلى المطبعة، بمجرد الحصول على تكاليف الطباعة التي تشكل مصدر الدخل الرئيس للعديد من دور النشر.

لن يكون مهما بعد ذلك أن تفعل دور النشر شيئاً لتسويق الكتاب، وهي غالباً لا تفعل شيئاً على الإطلاق، اللهم إلا في حالات نادرة.

قليلة جداً هي دور النشر العربية، التي تحترم اسمها والقارئ والنص. لم تكن «دار الآداب» تأخذ تكاليف نشر كتابٍ ما، ولم تكن مجلة الآداب تدفع مكافأة لصاحب قصة أو قصيدة. ولكنّ كتاب العالم العربي وشعراءه كانوا يفضلون النشر في هذه المجلة على سواها. وكانوا يطمحون إلى نشر كتبهم في هذه الدار، بالنظر إلى سمعتها العالية عند القارئ، الذي كان يعرف أن هذه الدار لا تنشر إلا نصوصاً تستحق القراءة.

يحق لنا القول الآن: إن هنالك طرفين أسهما بشكل فعال في تهميش القراءة: الأول هو دور النشر التي أصبحت مهجوسة بالربح، والثاني هو ما يتمثل في بدائل إلكترونية وإعلامية تسد حاجة الكثيرين إلى المعلومة وشيء من المعرفة، وبسهولة فائقة، كمحطات التلفزة العالمية ومواقع النشر المعلوماتية على الشبكة العنكبوتية.

لكن، على الرغم من هذا كله، فإنه يحق لنا أن نتساءل: ماذا قدمت آلاف الروايات العربية للقارئ من متعة ومعرفة وجمال؟ وما الذي دفع أصحابها إلى كتابتها ونشرها؟ هل هي ما تُسمى الرواية الأُسَرية؟ رواية كل شخص، وأي شخص في الحياة؟

يقول علم النفس إن أطواراً متشابهة في النمو يمر بها الناس جميعاً منذ الولادة حتى البلوغ. وهذه الأطوار لا تخرج عن التفكير في ماهية الشخص ووالديه والقيود الاجتماعية التي تبدأ في الالتفاف حوله أولاً بأول. ويشيرون إلى أن رؤية الطفل لأبيه وأمه في السنوات التي تسبق البلوغ، تبدأ في التغير؛ فمن علاقة الارتباط الحميمة الناجمة عن الأمان وتلبية الحاجة التي يوفرها الأب والأم، إلى نفور منهما لأنهما الطرف الرئيس الذي يسن القوانين ويطبقها على الطفل. إنهما الطرف الذي يحلل ويحرم ويسمح ويمنع. ومن هنا تتولد لدى الطفل رغبات طارئة، وأحلام غريبة. وعطفاً على ما سبق، فإن لدى كل فرد في الحياة روايته التي يظن أنها خاصة، وتختلف عن روايات الآخرين.

لقد طلب مني كثيرون ممن التقيتهم أن يُسمعوني قصص حياتهم لكي أكتبها، لأنها غريبة وعجيبة كما يظنون. ويبدو أن كثيراً ممن اكتشفوا لديهم قدرة، ولو محدودة جداً، على الكتابة، أخذوا على عاتقهم كتابة رواياتهم بأنفسهم.

ستُكتب المزيد من الروايات بعد، وستتسع الهوة بين الكتابة والقراءة!

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر