5 دقائق

حتى يكتمل القمر

خالد الكمدة

تصفيق حار صاحب اعتلاء سارة المنصة لإلقاء كلمتها، حشود كبيرة يضمها هذا المؤتمر الدولي تفوق بمرات عدد من حضروا زفاف أختها الكبرى، والتي لم يصفق لها أحد. وقفت خلف الميكرفون تملؤها الثقة، شعرت وهي ترتب أوراق الكلمة بنشوة الشهرة، وتسلل إلى جسدها الممشوق خدر النجاح، لا أحد أفضل مني، عباءتي التي أنفقت عليها الكثير تليق بكوكبة الكاميرات التي تصورها، أعداد من سيلتف حولي من الإعلاميين بعد قليل ينافس ما حظيت به أشهر الفنانات، وصورتي التي انتقيتها بعناية ستتربع على الأغلفة، أنا الأفضل، أنا الأشهر، أنا الأنجح، كل شيء بعد ذلك صغير وعلى الهامش.. أسرة..؟ زوج..؟ أطفال..؟.. ربما في وقت لاحق.

• ننحني أمام نجاحات المرأة، ونصفق لها بحرارة، نرفع رؤوسنا بتألقها في المحافل المحلية والدولية.

على الجهة الأخرى، وأمام شاشة التلفاز، جلست ابنة أختها الطفلة مشدوهة معجبة، «أريد أن أكون مشهورة كخالتي»، قالت بحماس.

أمام لحظة نجاح صورتها الكاميرات، غابت سجلات نجاح وكفاح أُنكِرَت فيها «الأنا»، وعمِلَت فيها سيدات بصمت لحصد سعادة الزواج واستقرار الأبناء في المنزل، وإنجاح المشروعات وتحقيق رضا المتعاملين في العمل، وغير ذلك كثير، مما لم يبلغ عنان السماء بشهرته ولكنه حقق الرضا والسعادة والاستقرار بشكل متوازن لكل من حوله، نجاح طويل الأمد يقطف غرسه بعد حين.

ننحني أمام نجاحات المرأة، ونصفق لها بحرارة، نرفع رؤوسنا بتألقها في المحافل المحلية والدولية، ونعمل دوماً لتحافظ على هذا التألق، لكن استمرارية النجاح والتفوق تقتضي التوازن.

يمنحنا المحار لؤلؤة بعد سنوات من العمل في الأعماق، حيث لا نراه ولا نعلم بوجوده، المشكلة هي أن اللؤلؤة لا تضع لؤلؤة... ليستمر حصولنا على اللؤلؤ نحتاج إلى وعاء من عرق اللؤلؤ، ومياه دافئة، نحتاج لنساء ناجحات متألقات يخصصن حيزاً من أيامهن للغوص في مياه أسرة دافئة، لإنتاج اللؤلؤ.

إذا ما غزا سارة شعور باكتمال النجاح، فقد غاب عنها أحد أهم المشروعات في حياتها، الذي لم تبذل فيه جهداً، غاب عنها دورها لاستمرار الحياة، لإنجاب وتربية من يحملون نجاحها، لرفقة من يكملها وتكمله، غاب عنها وبلا ريب ما تشعر به أختها، التي لا ينقصها نجاح، وهي تضع يدها في يد زوجها، تلتحم به وبتحدياته وإنجازاته، ينصهران معاً بما تشابه من طباعهما وما اختلف لإنجاز الأجمل، وإنجاب الأفضل، وتربية من سيحمل راية النجاح ويستمر بها. عظيم هو نجاحك يا سارة، وسيكون أبدع وأجزل وأعظم إن أنت التفتِ إلى مهامك التي أخفيتها في درج طفولتك وتركتِ معها طوعاً كل احتياجاتكِ كنصف للقمر.

@KhaledAlKamda

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر