أبواب

تعال كي نشيّد الوطن

خليل قنديل

تعال لنتحدث الآن، وتعال كي نحاول تشييد جلستنا من جديد. تعال كي نعيد حماقات افتراضاتنا التي تسبق افتراضاتنا الحوارية كالعادة. فأفترض كعادتي أنك يابس الرأس سلفاً، وأني من جذر عنيد وصعب المراس، وأني ابن أم كان يصعب ترويضها وجعلها تستجيب لشروط أنوثتها. وأنك ابن أب أحمق ظلت تقوده الغواية وتزين له غباء النطق وغباء الكلام.

تعال بعد كل هذا الحمق الحواري كي نتصافح، لنعلن أمام كل الناس أننا مجرد حمقى أغراهم سيل الكلام حتى أغرقهم ومرّغ أنوفهم بالتراب. تعال يا صديقي كي نحاذر القطيعة ولو مرّة، وأننا بالفعل أبناء نسل أحمق دفع الثمن غالياً عبر تاريخه في كل الحوارات التي شيدها.

• تعال كي نفكر قليلاً في مساحة الأرض المشتركة بيننا، التي نقيم فوق ترابها كوكبياً، ونتقاسم ماءها وينابيعها.

• تعال كي نعيد بهجة اليقين في الوجود لجيل كامل باغتته الحروب والاقتلاعات القسرية وحمّى اللجوء.

تعال كي نفكر قليلاً في مساحة الأرض المشتركة بيننا، التي نقيم فوق ترابها كوكبياً، ونتقاسم ماءها، وينابيعها التي تتفجر كل يوم تحت أرجل صغارنا، تعال كي تبسمل قليلاً باسم مكونها وراعي نشأتها، وذاك الأفق البعيد الذي يبشر بحدودها القسرية.

تعال كي نقيم احتفالنا بحضورها الأرضي، وبالهالة الأرضية التي تجمّل حضورها، تعال نقيم عرسنا هذا المساء، وندعو الجبال والسهول والوديان إلى عرسنا المسائي هذا اليوم وندعو عازف الناي والشباب الخلّص وصبايا البلاد وذاك «الدبيك» الأرعن الذي يرسم بحركته أحلام جيل كامل الدسم، كي نسوق فرحنا ونوزعه على كل البلاد كأنه يحدث للتو.

تعال كي نستل تلك الأم النحيلة من قبرها الذي غافلنا ذات مساء، وزلزل أركان البيت بالفقدان والنحيب ونعيد تلك البهجة الأمومية إلى ملامحها ونعيد إلى صغار الدار فرحتهم بحضور الأم وعودة تلك الضجة إلى البيت من جديد.

تعال كي تعد العدة لحضور الأب من جديد بعد كل هذا الغياب، تعال كي نحضر له أغلى الثياب وتحديداً «قمبازه» المقلم، وتلك الرائحة التي تظل نائمة في الثياب.

تعال كي ننزع كفن عائلة كاملة أعياها الموت المبكر. ووزعها في مقابر قسرية بحكم الترحل واللجوء.

تعال كي نعيد بهجة اليقين في الوجود لجيل كامل باغتته الحروب والاقتلاعات القسرية وحمّى اللجوء، وتلك البطاقة الخضراء المهترئة الحواف، التي سميت ظلماً ببطاقة «الإعاشة».

تعال كي نفرح بتشييد وطن. تعال كي نحتفل بتنصيب الزعيم وبحفل النشيد الوطني.

تعال ونادِ على الصبايا كي يطلقن الزغاريد.

تعال وامنح جسدي تلك البهجة وحلاوة القفز كي أتنطنط في مساحة المستحيل.

تعال واطلقني من عقالي في كل هذا المدى الصبياني العذب واتركني محلقاً في كل هذا المدى الصبياني الذي يُرجف الروح ويجعلها ترتعش كل هذا الارتعاش.

تعال واطلقني كزغرودة صبية بكماء باغتها النطق فجأة.

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر