أبواب

غودو لكل إنسان

يوسف ضمرة

حين لا يدرك الإنسان مأساته فكل شيء في الحياة جيد. قالها أوديب قبل أن يعرف حقيقته وحقيقة ما فعل، واكتشفها سيزيف وهو يرفع الصخرة نحو قمة الجبل، ثم يتبعها نحو الوادي حين تسقط، ليعاود الكرّة.

لا تصبح المأساة مأساة بلا إدراك لكنهها وحقيقتها. هكذا يقول ألبير كامو في كتابته عن سيزيف.

اللافت في المأساة هو أنها تتم بإلحاح من الرغبة البشرية، فما كان سيزيف أحمق لكي يتحدى آلهة الأوليمب الأسطورية، ويفلت من العقاب، وكذلك بروميثيوس سارق النار ومهديها إلى البشرية.

يعتقد ألبير كامو أن السعادة قد توجد في اللاجدوى (سيزيف مثلاً)، وهو يشير إلى أن سيزيف كان يشعر بالانتصار وهو يهبط الجبل ليبدأ جولة جديدة من عذابه اليومي. حسناً، فلتفعل تلك الآلهة الأسطورية ما تشاء، طالما كان الإنسان قادراً على تحمل العواقب.

سيزيف كان يشعر بالانتصار وهو يهبط الجبل ليبدأ جولة جديدة من عذابه اليومي.

من أين يأتي الفرح أو السعادة في الحياة؟ يقول ألبير كامو إن السعادة تكمن في اللاجدوى نفسها.

والمأساة شرط المتمردين، واللامألوفين، واللانمطيين، فقد قيل إن سيزيف كان قاطع طريق، وقيل عن آغاممنون إنه ضحى بابنته قرباناً لإله الريح كي تتحرك السفن نحو طروادة، وقيل إن أوديب كان بين الحياة والموت حين انتشله راعٍ وسلمه لعائلة حاكمة في مملكة أخرى.

بهذه الطريقة تصبح المأساة مصيراً متوقعاً، فإما أن يذبح آغاممنون ابنته أو تفشل رحلة استعادة هيلين من طروادة، وإما أن يقتل أوديب أباه أو لا يتزوج أمه ثم يفقأ عينيه، إما أن يسرق بروميثيوس النار ويهديها للبشر، أو أن يكون مجرد رأس في القطيع البشري، بلا طموح أو مغامرة مكلفة.

لقد رفض أوديسيوس الخلود في جزيرة العذراوات، لأن المأساة لا تكتمل إلا بعودته، ورفضت زوجة آغاممنون التضحية بابنتها فاكتملت مأساة آغاممنون بخيانة زوجته له.

وعلى الرغم من تدخل آلهة الأوليمب الأسطورية، فإن العشوائية ظلت طابع الحياة البشرية، فزيوس أوصى زوجته بأن تغطس آخيل في مياه النهر لتحميه من السهام، لكن زيوس لم ينتبه إلى أصابع المرأة وهي تمسك بوتر آخيل، وتمنع الماء من ملامسة الوتر، الذي أصبح في ما بعد مأساة آخيل ومقتله.

السؤال الملح هنا هو: هل ما يحدث في المأساة هو استسلام لها أم تقبل طوعي؟ فماذا لو توقف سيزيف عن ممارسة عقابه اليومي؟ الجواب ببساطة هو أن الآلهة الأسطورية كانت ستجد له عقاباً آخر، وماذا بعد؟ إن ممارسة العقاب في المأساة تكتسب بعداً إنسانياً مختلفاً، فبينما تتفرج الآلهة الأسطورية على سيزيف وهو يرفع الصخرة بمشقة نحو أعلى الجبل، نرى سيزيف يهبط بهدوء خلف الصخرة بعد أن تتدحرج نحو الوادي. ثمة فعل بشري يقوم به سيزيف، وهو يدرك صعوبته ولا جدواه، هل الحياة كذلك؟ هل هي مجرد صعود بصخرة سيزيف وهبوط لإعادة رفعها؟ فمن أين يأتي الفرح أو السعادة في الحياة؟ يقول ألبير كامو إن السعادة تكمن في اللاجدوى نفسها، كما تكمن اللاجدوى في السعادة أيضاً، فمن المؤكد ـ وبحسب ألبير كامو ـ أن سيزيف كان ينتظر حدوث شيء مختلف يغير نمط الحياة، وأنه كان واثقاً بأن الحياة لا يمكنها الاستمرار كذلك إلى الأبد، هنا يأتي الأمل، وهنا يكون على بطلي صموئيل بيكيت أن يواصلا الانتظار؛ انتظار من وماذا؟ شخصية غامضة ومجهولة تدعى «غودو»، هل هو الأمل؟ ربما، هل هو من يفسر الحياة ويشرحها؟ ربما، المهم أن لكل منا «غودو» ينتظره منذ البداية حتى الممات.

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر