5 دقائق

فن الاختلاف

خالد الكمدة

في سعي لفهم الآخر، عرض على مجموعة أشخاص صور لأجزاء من جسم «فيل»، علق الأول على صورة خرطومه «يبدو هذا كثعبان»، ورأى الآخر صورة ساقه فقال «هذا شيء يشبه الأعمدة»، وشبه الثالث صورة الذيل بالحبل، ورأى رابع صورة لجسد ضخم فتخيله كحائط في غرفة.. جميعهم مخطئون وجميعهم محقون.. وكذلك جلّنا في الأمور التي نجهل بقية أجزائها وتفاصيلها.

ننظر للسماء ونرى الشمس في كبدها، ويراها آخرون من طرف ثانٍ من الكرة معتمة لا ضوء فيها ولا دفء، قبل أن يحمل رأينا صفة الصواب وقبل أن نحارب الآخرين لأجله كحقيقة أزلية، يجب أن نرى جميع أجزاء الصورة، وننظر للقضية بأعين الآخرين، وقبل أن نمطرهم برماح العتاب واللوم يجب أن نغمرهم برفاه الفهم ونطوقهم بجميل المحاججة، وأن نبحث في أعينهم عما قد يكون قد غاب عنا من تفاصيل أو ما التبس علينا من كلمات.

لا يسمع أحد في أيامنا هذه إلا صوته أو ما طاب له من الأصوات، غابت ثقافة الاستماع إلى الآخر، وإذا تمتم أحد بكلمات لا تشبه أغنيتنا ارتفعت لإسكاته الأصوات، وأعملت في قدحه الأقلام. ارتفاع الأصوات دليل على تباعد القلوب، والأقلام وسيلة للوصول للآخر لا للقطع معه.

تختلف الآراء كاختلاف نغمات الأصوات ورنينها، كاختلاف ألوان الفراشات وانعكاسات ضوء الشمس على الجبال العالية، تختلف لأن أفكار كل منا وليدة نشأته وحصيلة علمه وفكره، وترجمة للزاوية التي يراها من الصورة، وارتداداً لما وصل إليه من أخبار وما جمع من أنباء. اختلاف أحد معنا في الرأي لا يستدعي هجوماً على شخصه ولا يتطلب إخماداً لصوته ولا برهنة لخطأ رأيه، بل يستوجب التفهم، ويستدعي رؤية ما يراه ومناقشته من حيث انطلق وتقييم علمه بجوانب القضية، ومنحه ما غاب عنه من الحقائق وما نقصه من العلم.

رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأي الآخر مهما اختلفنا معه خطأ قد يحتمل الصواب، وإذا ما ثبت ببرهان قاطع خطأ رأيه، فهذا لا يعني أن نخطئه كإنسان، أن نلغيه كصاحب رأي، أن نهمش عقله ونعيب شخصه، ونسقطه من حياتنا أو مشروعاتنا صديقاً كان أو ابناً أو زوجة أو زميل عمل، أو حتى غريباً لا يجمعنا به غير اهتمامنا بموضوع واحد نراه من زوايا مختلفة.

ارتفاع الأصوات دليل على تباعد القلوب، والأقلام وسيلة للوصول للآخر لا للقطع معه.

@KhaledAlKamda

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر