أبواب

جرائد بديلة

يوسف ضمرة

مع اتساع مساحة مواقع التواصل الاجتماعي كـ«الفيس بوك» و«تويتر»، يمكن القول إن كل فرد «مشترك» أصبحت له جريدته الخاصة؛ يحررها ويكتبها ويصممها، ويكذب فيها، ويفعل كل ما تفعله الجرائد الورقية المعروفة.

صار يكفيك التنقل بين صفحات الأصدقاء لتقرأ الأخبار أولاً بأول. وصار يكفيك الاطلاع على صفحات الكتّاب والإعلاميين المعروفين، لتقرأ آخر ما كتبوه في جرائدهم.

لا يشترك «صاحب الجريدة» الطازجة، في وكالات الأنباء للحصول على الأخبار أولاً بأول. فللوكالات صفحاتها أيضاً، وللمحطات الإعلامية الأجنبية والعربية مواقعها كذلك. صار يكفيك التنقل بين صفحات الأصدقاء لتقرأ الأخبار أولاً بأول. وصار يكفيك الاطلاع على صفحات الكتاب والإعلاميين المعروفين، لتقرأ آخر ما كتبوه في جرائدهم؛ تلك المهمة التي لم تكن متاحة من قبل إلا بشراء الجريدة نفسها.

من المؤكد أن الجرائد الجديدة لم تضع نفسها في مواجهة الجرائد المعروفة. ومن المؤكد أيضاً أن هذه الجرائد، تمتاز إلى حد كبير بالبراءة والنية الحسنة. فهي لا تكذب إلا قليلاً، وغالباً من دون قصد. أي إن الكذب في جرائد الأفراد ليس نهجاً إعلامياً كما هي الحال في الجرائد الورقية المعروفة. ولا أخفي أنني أصبحت أستقي معلوماتي من هذه الصفحات، مع شيء من التدقيق في بعض المعلومات. واللافت هو أن هذه الجرائد الجديدة «الصفحات» تشترك مثل الجرائد التقليدية في تراتبية الأخبار. أي إنه أصبحت لدى الفرد البسيط خبرة إعلامية راكمتها التجارب والزمن، من دون أن يتخرج في كلية إعلام أو صحافة.

كانت الجرائد التقليدية تصوغ أخبارها، وتنشر مقالات كتابها، وتضع ما يكفي من أدوات الجذب الجماهيرية على صفحاتها. لنكتشف أن الفرد البسيط قادر على القيام بهذا كله، ومن دون أي كلفة مادية.

ما تقوم به هذه الجرائد الجديدة يضع الجرائد التقليدية في مواقف محرجة، فقد أصبح معروفاً الآن أن الفرد «المحرر» يستقي معلوماته وأخباره من غير مصدر، وغالباً ما يذكر مصادره بدقة، على عكس ما تفعله الجرائد التقليدية التي تنسب الكثير من أخبارها إلى «مصادر مطلعة أو موثوقة أو ذات صلة». وهي توصيفات تظل مجهولة بالقياس إلى ما ينشره الفرد «المحرر» الذي ينشر لك مقطع الفيديو الذي ظهر فيه التصريح الفلاني أو سواه. وينقل لك صورة الصفحة الأصلية في الوكالة الإعلامية أو الوسيلة الإعلامية التي اعتمد عليها.

فهل هذا يعني أننا مقبلون على صحافة أكثر صدقاً وإعلام أكثر دقة وموضوعية؟

لا يمكن القول إن هذا ما سيحدث في المدى المنظور، فالجرائد القديمة تظل تحتفظ لنفسها بما كونته من اسم وشأن مهما كانا بسيطين. وهما كفيلان باعتماد آلاف الأشخاص على هذه الجرائد، حتى لو توافر بديل آخر، فالثقة بالبديل لم تكتمل بعد، ولم تُنجز، لأن هنالك من يخلط الجد بالهزل، الأمر الذي يقلل من القيمة الإعلامية لهذه الصفحات. والسبب، كما نظن، هو أن الفرد لم يفكر بعدُ في كونه قادراً على أن يكون وسيلة إعلامية بنفسه، يمتلك الكثير من الصدقية، وحسن النية على الأقل، في مواجهة إعلام موجه بالمال.

لا تخلو الجرائد الجديدة «الصفحات» من كل ما تحويه الجرائد التقليدية، وربما يبلغ عدد قراء بعض هذه الصفحات عدد قراء بعض الجرائد التقليدية أو يزيد، فلماذا لا تتحول هذه الصفحات إلى جرائد حقيقية، تضم السياسة والثقافة والفكر والأدب والفن؟ ولماذا لا تتعاون مجموعات من الأفراد «المحررين» من أجل إصدار صفحة مشتركة، تكون نسبة الموضوعية فيها أعلى بكثير، ونوعية المنشورات أكثر أهمية وأرفع قيمة؟

damra1953@yahoo.com


لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر