أبواب

طقوس ثقافية ليست مقدسة

يوسف ضمرة

لا أذكر عدد الندوات القصصية التي شاركت فيها، فهي متواصلة بين حين وآخر منذ البدايات، لكنها قطعاً لم تعد متقاربة كما كانت من قبل، حيث من الصعب عليك أن تعيد قراءة قصصك نفسها بين حين وآخر، لكن ما هو أكثر أهمية من ذلك هو ما طرأ على البال وأنا أستعد للمشاركة في ندوة جديدة، وما طرأ على البال كان على شكل سؤال بسيط: ماذا قدمت لي هذه الندوات؟ ثم تناسلت الأسئلة عن جدواها وضروراتها. أعترف أن قراءة قصة على جمهور ما في هذه الأيام لم تعد تحظى بالحد الأدنى من الاهتمام، ربما كان الأمر مختلفاً بعض الشيء في الماضي، حين لم نكن نعثر على منابر كافية لنشر ما نكتب، ومنابر أخرى لقراءته على مسامع مهتمين ومثقفين وكتاب، كان يهمنا أن نحوز شيئاً من الرضا الآني من بعض الكتاب والنقاد،

بعد أن تبين إلى حد كبير أن الإبداع شأن شخصي، والتلقي شأن شخصي كذلك؛ فلماذا تظل بعض الجهات حريصة على طقوس ثقافية وهي تدرك جيداً فقر هذه الطقوس وقلة حيلتها؟

جمهور الأدباء والشعراء في الندوات أصبح يقتصر على بعض الأقارب والأصدقاء، وبعض المثقفين ممن يجدون فسحة الوقت، وممن يتابعون الوقائع الثقافية كإعلاميين ومندوبي صحف ومواقع إعلامية.

والقراء البسطاء، وكانت بعض الملاحظات من هنا وهناك، تجعلنا نفكر في ما نكتب، أما اليوم فقد تغيرت الحال؛ لم يعد ثمة الكثير ممن يرغبون في الذهاب للاستماع إلى قصة قصيرة، طالما كان في استطاعة المرء تقليب صفحات الجرائد والمجلات أمامه وهو في المنزل، وطالما توافرت للقارئ كتابات عالمية لم يكن ممكناً الحصول عليها من قبل بهذه السهولة، ربما يكون علينا أن نعيد النظر في أمر كهذا، طالما لا يحوز شيئاً من القداسة، ولا ينتمي إلى رقعة دستورية أو قيمية. وكل ما في الأمر هو أنه مجرد عرف أو تقليد أو طقس ثقافي جرى ابتداعه ذات يوم، رأى البعض حينها أنه ضروري أو رافد للمشهد الثقافي. والموضوع كله لا يستحق تفكيراً طويلاً، حيث من الصعب أن نلوي عنق الحقيقة، ونكابر لنقول إن الناس بحاجة ماسة إلى ندوات قصصية، فإذا كانت مؤسسات ثقافية كبيرة، قابلة للطّي، بعد أن أصبح دورها مقصوراً على بعض المنافع الذاتية، كوزارات الثقافة، وبعض اتحادات الكتاب والأدباء على سبيل المثال، وبعد أن تبين إلى حد كبير أن الإبداع شأن شخصي، والتلقي شأن شخصي كذلك؛ فلماذا تظل بعض الجهات حريصة على طقوس ثقافية وهي تدرك جيداً فقر هذه الطقوس وقلة حيلتها؟ لقد ظهرت أفكار كثيرة لامست هذا الموضوع منذ سنوات، كأن تصاحب القراءات الأدبية عموماً بعض الموسيقى الحية، أو بعض التشكيلات اللونية، وحتى حركات الجسد في رقص تعبيري، ولكن هذا كله لم يقلل من انحسار منسوب الحضور والتفاعل، وفي أحسن الأحوال فإن جمهور الأدباء والشعراء في الندوات، أصبح يقتصر على بعض الأقارب والأصدقاء، وبعض المثقفين ممن يجدون فسحة الوقت، وممن يتابعون الوقائع الثقافية كإعلاميين ومندوبي صحف ومواقع إعلامية. ليس إلغاء هذا الطقس ضرورياً أو أمراً ملحاً، لكنه على الأقل يحتاج إلى إعادة نظر، تشتمل على تقييم حقيقي وعلمي، ومن ثم اتخاذ ما يلزم من خطوات، إما لتطويره أو تجديد دمائه، أو لاستبداله بطقس ثقافي جديد مغاير، قادر على تقديم خدمة ملموسة للمشهد الثقافي، أو لإلغائه نهائياً، لكي يتوقف بعض الكتاب عن افتعال تظاهرات صغيرة قوامها الأقارب والعائلة، خصوصاً ونحن نتحدث عن حدث أثبتت التجارب أنه لا يمتلك من تأثير بالغ أو حتى خجول على مسيرة الكاتب ومشروعه الكتابي. ولن نكون مجحفين بحق أحد حين نقول، إن النقد الأدبي كله الآن تجرى مراجعة أثره ودوره في إثراء الكتابات الأدبية. وفي ما إذا كان هذا الفرع الأدبي ضرورياً كما كان الأمر الشائع من قبل أم لا، هل تصبح قراءة كتاب أسبوعياً لمناقشته أمراً حيوياً أكثر من السابق؟ ربما، وربما لأكثر من سبب؛ أولها أن هذا الطقس يعيد الكثيرين إلى ميدان القراءة الواسع، والمعين الذي لا ينضب، وثانيها أنه يحفز القارئ على القراءة المتأنية والمتأملة، لا العابرة أو الاستعراضية، وثالثها أنه يطور الذائقة القرائية حين يكون هنالك حوار حول التلقي، نكتشف خلاله أن هنالك أكثر من زاوية لرؤية الكتابة، وأكثر من باب للولوج إليها. مجرد اقتراح لإنعاش المشهد الثقافي العربي، الذي بات أسير بعض الندوات وحفلات التوقيع والإشهار وما إلى ذلك، إضافة إلى ما تلقي به الجوائز الأدبية من تأثير أصبح ملموساً تماماً لدى الكتاب والقراء على حد سواء. ومن الطبيعي أن تكون هنالك أفكار أخرى كثيرة، وربما خلاقة ومتميزة، قادرة على كسر رتابة المشهد والضجر الذي بات يشيعه في المحيط القريب والبعيد على حد سواء.

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر