أبواب

رمضان الدرامي

علي العامري

شهر رمضان يزداد درامية، عاماً بعد عام. هذا ما يمكن ملاحظته، وعلى أكثر من صعيد، إذ بدأ المعنى الروحي للشهر ينزاح رويداً رويداً، والأدلة كثيرة على ذلك. ومع غياب «المسحراتي» أو «أبوطبيلة»، وغياب المعنى الحقيقي للجيرة، إذ لم يعد كثيرون معنيين بما تمثله علاقة الجيران، ومع ظهور أنماط حياتية جديدة، بدأ المعنى الروحاني ينزوي في المشهد.

الظاهرة الدرامية أصبحت بمثابة «متلازمة رمضان»، إذ يقضي الناس أوقاتاً بعد الإفطار، أمام شاشة التلفزيون، وهم يلوكون ويشربون، كما لو أنهم مخدرون. ولا يخلو حديث الصباح من «التداول الدرامي» كما لو أننا في «بورصة» مشاهدة.


تظهر درامية رمضان، في المشهد العربي، عبر «القتل الطائفي». ومع أن رمضان شهر رحمة، إلا أن البراميل المتفجرة ستبقى تنهال على البشر والشجر والحجر، كما ستبقى متفجرات الظلاميين تدوي، طاغية على صوت الأذان.

قبل أشهر من بدء رمضان، تبدأ «آلة» الإنتاج الدرامي دورانها، مراهنة على المشاهدين، وعلى عجلة الإعلانات التلفزيونية بالدوران الهستيري، حتى يكاد المسلسل يكون على هامش الإعلان، ويصبح «الفاصل الترويجي» متناً، ويغدو المسلسل هامشاً. كما يبدأ الناس بوضع برنامج للمشاهدة، بعد «الرسو» على «بر» مسلسلين أو ثلاثة، وفقاً للوقت المتاح للمشاهد، بعد اقتطاع أوقات الأكل والنوم والعمل والتسوق أيضاً.

هذه الظاهرة الدرامية أصبحت بمثابة «متلازمة رمضان»، إذ يقضي الناس أوقاتاً بعد الإفطار، أمام شاشة التلفزيون، وهم يلوكون ويشربون، كما لو أنهم مخدرون. ولا يخلو حديث الصباح من «التداول الدرامي» كما لو أننا في «بورصة» مشاهدة، إذ يتفرع الحديث من قصة المسلسل إلى البطل الفلاني وإلى ملابس الممثلة الفلانية، وغير ذلك من تفاصيل.

وعلى صعيد المأكل والمشرب، فحدث ولا حرج، فمع أن الصيام يعنى بروحانية الامتناع عن الأكل والشرب والنميمة والجشع، إلا أن هذه المعاني غدت في آخر سلم الأولويات في زمننا الجديد. إذ تبدأ العائلة بوضع «استراتيجية تسمينية»، قبل بدء الشهر بأسبوعين، على أقل تقدير، والشاهد على ذلك ما شهدته الأسواق في البلدان العربية من تزاحم على المواد الغذائية القابلة للتخزين، خلال الأيام القليلة الماضية، كأننا مقبلون على «مجاعة شهرية». وفي كل الأسواق نرى عربات التسوق مكتظة بالعصائر واللحوم والأرز والزيت، إلى حد المبالغة الجنونية.

يبدأ اليوم الرمضاني متأخراً، بعد السهر الدرامي، ويذهب الموظف إلى عمله كما لو أنه يساق إلى مشقة، ويزداد «منسوب» التوتر العصبي إلى أعلى درجاته، ويزداد النظر إلى ساعة اليد التي كانت مهملة معظم أيام السنة، وتعلو نبرة التذمر من الوقت، ونعته بأنه بطيء، وأن الساعات بالكاد تتحرك مؤشراتها. وما أن يأزف الوقت، حتى ينطلق المشاة والسيارات في «رالي الإفطار»، وعادة في تلك الأوقات قبل موعد أذان الإفطار تزداد نسبة الحوادث المرورية، نتيجة الاستعجال وفقدان الصبر. مع أن شهر رمضان، في جانب منه، يعد تمريناً سنوياً على الصبر والتحمل.

من جانب آخر، تظهر درامية رمضان، في المشهد العربي، عبر «القتل الطائفي» الذي يدار من وراء الحدود العربية، وعبر «وكلاء» في الداخل. ومع أن رمضان شهر رحمة، إلا أن البراميل المتفجرة ستبقى تنهال على البشر والشجر والحجر، كما ستبقى متفجرات الظلاميين تدوي، طاغية على صوت الأذان.

وفي هذا الشهر، يصوم الفلسطيني في معتقلات الاحتلال الإسرائيلي، لكنه لن يصوم عن الحلم بوطن اسمه فلسطين. وفي هذا الشهر لا يتوقف القتل بأثر رجعي، بذريعة الماضي القديم، لتتواصل إراقة دماء البشر اليوم، ولكن وفق تقويم ماضوي. وفي هذا الشهر يزداد عدد الأيتام والأرامل والقبور، ولا يصوم القاتل عن الدم.

alialameri@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر