أبواب

في الحديث عن النخبة

يوسف ضمرة

اطلعت على بضعة مقالات تتعلق بالنخبة الثقافية في العالم العربي، وقد أدهشني أن تعريف النخبة لايزال ملتبساً إلى حد ما. لكن الالتباس الأكبر يتعلق بدور النخبة ومهامها ووظائفها ومواقفها.

وبما أن النخبة هي محصلة «انتخاب» أو«اصطفاء» مجموعة محددة من الناس ضمن جماعة كبيرة، فإن هذا الاصطفاء لابد أن يكون قائماً على أسس متفق عليها. فالتعليم النمطي الذي يشمل فئات المجتمع كلها تقريباً، لا يعد معياراً نقيّاً لاصطفاء النخبة أو انتخابها. هنالك تعليم أكبر وأكثر أهمية، معني بالبحث والتفكير. وهو تعليم قد يكون أكاديمياً وقد لا يكون. بل إن نسبة عالية من الأكاديميين تنغلق على ذات تتضخم لتصبح مركزية، وتأخذ في تشكيل جماعة مختلفة عن الجماعة الأكبر، سواء في اللغة أو في بقية مفردات الحياة اليومية، من مأكل وملبس وعادات. أي إنها تجترح ثقافتها الخاصة التي تميزها عن الآخرين، بمن فيهم النخب الثقافية والسياسية.

لقد وصل الأمر إلى حد «تصنيف» الجماعات بناء على التخصص المهني والتعليمي. فنشأت مجاميع سكنية لأساتذة الجامعات وللأطباء وللمهندسين وللصيادلة وللصحافيين. ومن الطبيعي في حال كهذه، أن يتم عزل هذه الجماعات بعضها عن بعض، بدلاً من تحقيق اندماج أو تمازج في ما بينها من جهة، وفي ما بينها وبين بقية الأشخاص في الجماعة الكبيرة.

إننا أمام نخب لا نخبة واحدة، وهي نخب موزعة ثقافياً وفكرياً وسياسياً ومهنياً، والتفاعل في ما بينها يتم ـ حين يتم ـ من مركزية الذات.
تتفق هذه النخب «الجزر المعزولة» في ما بينها على اعتماد القراءة كمفردة أساسية في الحياة، لكنها تختلف حول موضوعات القراءة، وأنواع المقروء.

على هذا النحو، فإننا لن نعثر على ثقافة «نخبوية» واحدة، فهنالك ثقافة تطالب بعزل الثقافي عن السياسي، وثقافة تطالب بعزل المهني عن السياسي، وثمة ثقافة الأحزاب التي تسعى للاستفادة من هذه النخب المهنية.

تتفق هذه النخب «الجزر المعزولة» في ما بينها على اعتماد القراءة كمفردة أساسية في الحياة، لكنها تختلف حول موضوعات القراءة، وأنواع المقروء. لكن الأدب يظل أحد الفروع الثقافية الأساسية التي تجمع عليها هذه النخب. ودائماً هنالك توجيه من رب الأسرة لأبنائه، يطاول مفهوم الأدب وقيمته وجنسه.

إن حرص هذه النخب على مستقبل أبنائها، الذي تعتقد أنه لا ينبغي له أن يكون أقل شأناً من راهن العائلة، يلعب دوراً فائقاً في توجيه الأبناء نحو القراءة، مثلما يلعب دوراً فائقاً في توجيههم نحو الدراسة الأكاديمية. وقد شاعت في بلد كالأردن مثلاً، حكاية توريث المهنة، كالطب والهندسة. أما توريث الأدب فهو أمر صار بديهياً، ولكنه ليس مشابهاً للتوريث عند النخب الأخرى. يعتقد إبراهيم الجبين في العدد الثاني من مجلة «الجديد»، أن فكر النخبة العربية قد جاء من الغرب الذي أنجز الكثير من المعارف العلمية والثقافية. وهو يرى أن في استطاعة النخب العربية نقل الكثير مما أنتجه الغرب، لكنها لا تستطيع نقل علم الاجتماع السياسي مثلاً من أي بلد غربي، وتطبيقه كما هو، في العالم العربي.

أما الإشكالية الأخرى، فتتعلق بدور النخب الدينية؛ تلك الجماعات المنغلقة التي لاتزال تعتقد أن سقوط الخلافة الإسلامية أمر طارئ، أو خلل اجتماعي ينبغي للمجتمعات العمل على إصلاحه. ومثل هذه النخب «الدينية» لن تجد لديها مانعاً من استخدام الوسائل التي تراها ضرورية لتحقيق هذا الهدف.

إننا أمام نخب لا نخبة واحدة. وهي نخب موزعة ثقافياً وفكرياً وسياسياً ومهنياً، والتفاعل في ما بينها يتم ـ حين يتم ـ من مركزية الذات التي تشبه الذات الغربية بعد النهضة، ذات مركزية كلية المعرفة والقوة، وما على الآخرين سوى الدوران في فلكها.

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر