كل جمعة
بطيخ إيراني
ليست المعضلة في أنّ البطيخ الإيراني المنتشر في أسواق الخليج العربي يعاني ثقوباً، فهذه آفات زراعية، تصيبُ حتى الفاكهة السويسرية، المعضلة في تعدّد الثقوب في علاقة إيران مع العرب، الثقة مثقوبة، الصدقية مثقوبة، الآفاق مثقوبة، والشكوك تقدم لنا كل يوم دروساً واقعية في الحذر. ولا أكثر سوءاً من علاقة مريبة مع جارك، وهو يحتلّ مساحات من حديقة منزلك، ويقذفك يومياً بحجارة من فوق الأسوار، ويسعى إلى تصدير الهواجس، قبل البطيخ، والزعفران.
«لا أكثر سوءاً من علاقة مريبة مع جارك، وهو يحتلّ مساحات من حديقة منزلك، ويقذفك يومياً بحجارة من فوق الأسوار، ويسعى إلى تصدير الهواجس، قبل البطيخ، والزعفران». |
مختبرات دول الخليج العربي تجاوبت مع القلق الشعبي الواسع من مواد مسرطنة في البطيخ المثقوب، وثمة من تحدّث عن تلوّث إشعاعي، لكنّ الأمر ليس أكثر من إصابة قديمة بحشرة «خنفساء القرعيات».
التحليل العلمي نفى قطعياً أي تسميم مقصود للبطيخ الإيراني المستورد، لا بالأشعة النووية، ولا بغيرها، لكن الضجّة الشعبية تُقرأ في سياق الغضب العربي في الخليج، وخارجه، من السياسات الإيرانية في بلادنا. في العراق، حيث تتصاعد النوازع الطائفية، مع تزايد النفوذ الإيراني، بحجة محاربة «داعش». وفي سورية، حيث يقاتل الحرس الثوري و«حزب الله» الإيراني الشعب السوري في مدن وقرى وبلدات لا مراقد فيها، ولا قبور، إلا مدافن جماعية لأطفال قتلهم بشار الأسد، بالبراميل المتفجرة، وبالأسلحة الكيماوية. لا ينسى العرب ما فعلته إيران، وتفعله بلبنان وأمنها وسيادتها وحريتها، الجرح أشدّ ألماً ونزفاً باليمن، وقد دعمت طهران، بالمال والسلاح، أقلية موالية، لاتزال تحاول استباحة هذا البلد، واستنساخ تجربة «حزب الله» فيه.
طالت إقامة إيران في التاريخ، تزايد العبث في الجغرافيا أيضاً، يحتاج الشعب الإيراني، الذي يعيش أزمة اقتصادية خانقة إلى نحو 30 مليار دولار سنوياً من صادرات بلاده إلى دول الخليج العربي، لا يحتاج إلى نزعات إمبراطورية، وتدخل مستمر في حياة الجيران العرب، ومصائرهم. كثير منه يعيش، منذ قرون، في بلدان الخليج العربي، التي لم تقفل أسواقها أمام السفن التجارية الإيرانية، ولم تضع حطباً على أزماته المتعددة، كل ما تريده أن تعيش على خليجها ببعض الإحساس الآمن بالجار.
الغضب العربي ليس من بطيخ مثقوب، إنه غضب سياسي بحت، فالمياه نفسها هي التي تهدر بين شاطئين على الخليج. الرمال ذاتها تمتدّ بين العرب وإيران. المختلف هو النوايا الإيرانية. لم تبادل الجارة الحالمة بالمستحيل بلداً عربياً تعاملاً بالمثل، كثيراً ما أرسلت عملاء بمتفجرات، ودائماً بحثت عن حوزات، ومناطق نفوذ. «عاصفة الحزم» سعت إلى كفّ اليد الإيرانية عن مزيد من التمادي في الخريطة العربية، لكن الجنرال قال بعدها بأيام إن «أمن اليمن من أمن إيران». لا سقف محدداً للأطماع في المياه والرمال العربية، حروب الماضي تمخر أمواج الخليج مع السفن، أي سفن؟ للتجارة، أم للسلاح، أم للتجسس؟ خليج عدن أيضاً ليس فارسياً، ولا مصانع للسجاد الفارسي في اليمن العربي، لا في حضرموت، ولا حتى في صعدة.
السخط العربي الشعبي على إيران، هو ما يجب أن يراه ساستها وعسكرها من ثقوب ثمار البطيخ، وليس تحريض الإعلام على الدفاع عن جودة المنتج، والسخرية من الرأي العام العربي، فلقد سمع الإيرانيون للمرة الأولى ارتفاع حدة الصوت العربي المطالب بمقاطعة المنتجات الإيرانية، بل والمنادي بقطع العلاقات الدبلوماسية، فهل ينصتون جيداً، ويبتلعون ريقهم، ويتطلعون إلى ما هو أكثر جدوى، بلا كوابيس، وبلا نزعات قومية.. وبلا بطيخ؟
brafayh@ey.ae
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .