5 دقائق

لا خير في كثير من نجواهم

خالد الكمدة

لم يقلق محمد كثيراً عندما عاد إلى المنزل ولم يجد زوجه، فقد تكرر ذلك مراراً منذ أن جمعهما سقف واحد، فهي إما تتسوق أو في مقهى فاخر مع صديقاتها أو في نادٍ أو صالة سينما، ومرات قليلة فقط كانت في المنزل عندما عاد هو منهكاً من عمله، شهور ستة فقط أسقطت لديه كثيراً من مفاهيم الزواج، أولها وأهمها «الاستقرار».

«أن تكون سنداً لابنتك لا يعني أن تقف خلف قراراتها غير المحسوبة».

خزانتها التي كانت تغص بالملابس فارغة، وحقائبها التي كانت متراكمة على الرفوف غائبة، علامات تدل على أن شيئاً جديداً قد طرأ، هاتفها يرن دون رد، والرسائل تقرأ دون إجابة، شعر بأن يوماً كهذا سيأتي، ولكن ليس بهذه السرعة. غاضبة هي في بيت أهلها، هكذا رد عليه أبوها بعبارة مقتضبة، دون مناقشة أسباب، وأرجأ النقاش إلى وقت لاحق، ووقت لاحق آخر، ووقت ثالث، حتى تسلم محمد قرار زوجه وأسرتها بغير نقاش، على ورقة صفراء من جهة رسمية، تدعوه إلى إبداء رأيه في طلب طلاق.

رغم كل الاختلافات والخلافات التي لم يُحدد شكلها، ورغم غروب كثير من أحلامه حول بيت الزوجية، لايزال الرجل يحتفظ بمودة لمن أرادها شريكة لحياته، لمن كانت تتويجاً لسنوات طويلة، عمل فيها بجد، جمع المال، أسس الدار، أثرى الأفكار، صار يستحق عن جدارة لقب رب الأسرة، ثم كما يطفأ عود ثقاب، أطفأت أمنياته بطريقة تعسفية، صار بينه وبينها جهات رسمية، لا مجال للود، ولا مساحة لإصلاحات أسرية.

ليس عقد عمل حتى ينتهي بهذه الطريقة، وليست علاقة زمالة «دعنا نتحدث، سنصل بلا شك إلى حل»، تدخل والده، لكن الإجابة كانت فارغة من كل خير «أنا قادر على كفايتها»، ملخص ونهاية ما قدمه أبوها.

«قادر على كفايتها» ليس عرفنا، وليس ما أمر به شرعنا عندما يكون الموضوع قيد البحث هو «أبغض الحلال»، الكفاية ليست دور الأب والأم الأوحد، التقويم دورهم الأول، والتدارك دورهم الثاني، والإصلاح دورهم الثالث والرابع والمئة، ولا خير في ما سوى ذلك.

أن تكون سنداً لابنتك لا يعني أن تقف خلف قراراتها غير المحسوبة، وغير المغلفة بخبرة حياتية، لا يعني أن تتكفل بتأمين سرير وخزانة ملابس وكثير من طعام، فهذه ليست كفايتها. أن تكون سنداً لابنتك يعني أن تبحث عن استقرار لروحها، أن ترى كيف سيكون حالها وحيدة بعد عقود، أن تفكر كيف ستكون مشاعرها إن حرمت من فرصة زواج أخرى ولم ترزق بأطفال، أن تحسب كيف ستكفيها أنت حينئذ، وأن تعمل ما بوسعك لرأب الصدع في سفينة زواجها حديثة الإبحار، وحمايتها ما استطعت من الأمواج الهائجة والعواصف الطارئة.

KhaledAlKamda@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر