مزاح.. ورماح

«الحزب الأوحد..!»

عبدالله الشويخ

لا أحد يحب الأحزاب والتحزب مثل العرب، أمر موجود في دواخلهم، حزب بين كل حزب وحزب، وتستمر الانشقاقات؛ حتى يصل الأمر كما يقول الشاعر المشاغب أحمد مطر: «ولذا شكلت من نفسي حزباً... ثُم إنّي - مثل كلِّ الناس - أعلنت على الحزب انشقاقي»!

دائماً يأتيك ذلك الطفل أو الطفلة الباكية، وكم هي جميلة عيون الأطفال «المغرورقة» بالدموع دون فزع حقيقي، لهذا يقول الأدباء «تتلألأ» فيهما الدموع، تحدثك الطفلة فلا تنتبه لانشغالك بدموعها، قبل أن تعيد عبارتها على قلبك المتحجر: إنهم لا يريدون أن يسمحوا لي باللعب معهم، تتصنع الغضب وتناديهم: لماذا لا تسمحون لها باللعب معكم؟! فيجيبونك ببراءة: لأنها ليست من فرقتنا! فرقتكم؟! ياولاد الـ(...) وما هي هذه الفرقة؟ يحيرون جواباً هم لا يملكون جواباً أصلاً، لكن «كروموسوماتهم» العربية تصرخ فيهم بوجوب وجود فرقة ترفض انضمام بقية الفرق إليها.

سيكبر الطفل ويراهق وسيرى مجتمعاً آخر للمراهقين؛ فيه تبدأ «الشِلل».. هنا شلة وهناك أخرى، ولكل شلة أسرارها، وهي لا تسمح للقادمين من خارجها بالانضمام إلا بموافقة كبير الشلة ومزاجيته؛ ويعتاد المراهق عبارة «مب من شلتنا»!

بعدها تبدأ حاضنة التحزّب الكبرى في الجامعة؛ أفكار هنا وأفكار هناك.. وأحزاب ظل حقيقية لأحزاب على أرض الواقع، وتبدأ عبارات لتصبح جزءاً من الحياة اليومية، هذا من «ربعنا»، و«هذاك مب من جماعتنا»، وهذا من «المجموعة».. و«هذاك من الإخوة»، وتصير النفوس إلى ما تصير إليه، وينسى أصحاب مصطلحات «الخاصة، والعوام، وخاصة الخاصة، وطلبة العلم» أن المسلمين كأسنان المشط، أسنان المشط مصطلح يستخدمونه في خطب الجمعة فقط؛ أما على الأرض فهناك «علماء» و«جهلة»!

تنتهي العصور المظلمة، ويلتحق الرجل بالوظيفة، وتبدأ معارك المجالس.. هذا من شباب مجلس فلان، وهذا من شباب مجلس فلان، ثم في العمل هذا محسوب على المدير الفلاني، وذاك محسوب على المدير الفلاني، ولا يجوز لك أن تجمع حُب مديرين في قلبك.. الجميع سيكذبك؛ ويقول لك إنك كصاحب الزوجتين، هذا ما تدعيه في العلن، لكنك حتماً تفضل أحدهما على الآخر، تحاول إقناعهم بأن المدير يصلح (كزوج) لك، لأنه الآمر المعطي، لكن ليس كزوجة وأن تشبيههم سخيف؛ فتضيع كلماتك بين حزبين!

حتى «الواتس أب» فتح لنا باباً بمجموعاته؛ فهناك مجموعة للخاصة، وأكبر منها مجموعة العامة، وألف تنتمي إلى باء في الأسرة والأصدقاء والعمل يتم تطبيق هذا النظام.. وهناك مجموعة لخاصة الخاصة.. أحزاب إلكترونية إذا صحت التسمية.

هناك زميل فتح مجموعة بها أنا وهو فقط، ثم قام «ابن الذين» بالخروج من المجموعة؛ شعرت برغبة عارمة بالبكاء، وبأنني منبوذ..!! أقسم بأن أفضحه ذات يوم!

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

Twitter:@shwaikh_UAE

تويتر