مزاح.. ورماح

المهنة الخالدة..

أحمد حسن الزعبي

يبدو أن التكنولوجيا و«الميكنة» لم تكتفيا بأن تصنعا الملايين من العاطلين عن العمل من أبناء «الطبقة» الكادحة، حيث كانوا «يسترزقون» من مهنهم البسيطة، كالتعبئة والتغليف، والترتيب، والتحميل والتنزيل، والاستعاضة عنهم بأذرع آلية تقوم بالعمل نفسه بدقة متناهية، وسرعة فائقة، وكلفة قليلة.. بل انتقل هذا الكابوس إلى الحيوانات الأليفة والمطبعة التي «حطّت واطي» للإنسان منذ الأزل، دون أن تفكّر للحظة في مستقبلها أو تحسب حساباً لذلك الكائن البراغماتي، الذي لا يتأخر في التخلي عن أقرب الناس إليه، في حال تعارض ذلك مع مصلحته الذاتية.

تاريخياً.. منذ أن وُجِدت مهنة الرعي والفلاحة، ويلازم القطيع حمار وكلب.. الأول تبرّع أن يحمل أمتعة الراعي، وعبوات الماء والمشي أمام الأغنام، كونه أطولها وأطوعها وأقلها حركة، فلا يحيد عن الطريق ولا يحيد من سواه، والثاني (الكلب) الذي تبرّع بحراسة القطيع ومحاذاته من اليمين والشمال، وتنبيهه إذا ما دخل حقلاً مملوكاً، أو أرضاً مزروعة، مقابل أن يأكل ما يجود به عليه الراعي.

الآن.. لم تعد هذه المهنة «التطوعية»، سواء للكلب أو للحمار، موضع ترحيب من قبل الإنسان، سيما بعد دخول التكنولوجيا الحديثة إلى عالم الرعي والفلاحة، فقد استعان أخيراً فلاح إيرلندي يملك قطيعاً من الأغنام بطائرة دون طيار، لمراقبة قطيعه بدلاً من كلب الحراسة، وقد نجحت الطائرة في مراقبة القطيع وفي تغيير مساره مرات عدة، وإدخاله إلى حقل وإخراجه من آخر، في الوقت الذي قرره المالك.. ويقول الراعي الإيرلندي، ممتدحاً تجربته: «الطائرة لها قدرة عجيبة على تجميع الأغنام في منطقة الرعي الخاصة بها، كما أن الطائرة لا تعضّ ولا تحتاج إلى طعام، ولا تتعب من كثرة الطيران»، في إشارة واضحة إلى الكلب الذي أفنى شبابه، وضحى بكرامته ومستقبله في خدمة صاحب الرزق.

طيب.. إذا حل «الروبوت» مكان الحمار، والطائرة دون طيّار مكان الكلب، فماذا يفعل هذا الأخير؟ ماذا عليه أن يمتهن حتى يعيش: «يفتح محل بلاي ستيشن» مثلاً؟.. مهنته الخالدة التي ولد وفطم وتربى عليها هي النباح وهزّ الذنب.. ترى ماذا يعمل بعد هذا العمر..؟!

ثم إن الطائرة لا «تهزّ ذنبها» إلا للريح!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر