أبواب

بطالة التحضر

خليل قنديل

من يحدق بشكل عميق وحافر في واقعنا الأدبي والفكري لابد أن يكتشف مساحة القحط المستقبلي على صعيد الإبداع والكتابة، وهي تنتظرنا وتتوعدنا بكل هذا التوعد المؤذي من حالة القحط الإبداعي القادم، وحالة التصدع الفكري الذي ينتظرنا ونحن على حافة قرننا الطازج هذا.

«بات من الطبيعي أن تظهر لنا الشخصية العربية وهي مدماة بآثار الماضوية القريبة والبعيدة، من خلال تعاملها مع شجن الانخراط القسري في الزمن واختلالاته المضارعية والمستقبلية».

«لعل التشوّهات التي نعيشها ونشهد آثارها تكمن في تلك الأمية التي مازالت تلقي بظلالها على مشهدنا الاعتراكي مع الزمن الكتابي واختلالاته».

هذا صحيح، ذلك أن قرننا الحالي لم يبشرنا بطاقات إبداعية واعدة أو يطل علينا بمجموعة من الأسماء المبشرة يمكن أن يدفعنا الى تلك التحديقة في الأمد الواعد بالأسماء، وبالطاقات التي عادة ما تقدم ذاتها كافتتاحية مبشرة لقرن من الإبداع القادم.

فعلى صعيد الشعر مازالت الأسماء التي قدمها لنا القرن المنصرم تتسيد الساحة الابداعية وهي ترينا القرن الآفل كأنه قد قدم كل ما لديه من الأسماء والطاقات، التي استطاعت في زمن وجيز أن تقدم كل هذه الطاقات في وجبة واحدة.

وعلى صعيد الغناء والفن، مازالت الاصوات التي نمت وتشكلت مع مطلع القرن الفائت هي التي تتسيد ساحاتنا الفنية، فمازالت الأصوات هي هي، ومازال الغناء والفن والطرب الذي ساد مع مطلع قرننا الحالي هو ذاته.

ولكي نكون أكثر تفصيلاً نقول، إن القرن الفائت قدم لنا أم كلثوم ومدرستها الغنائية، إضافة الى فيروز والرحابنة والأطرش وعبدالحليم، ولم يستطع قرننا الحالي أن يقدم لنا بعض الأصوات الواعدة التي تفجر الإمكانات، والأمر ذاته ينطبق على مجمل الابداعات الأدبية وربما الشعرية. وفي استعراض سريع لمعظم الانجازات الإبداعية يمكننا ملاحظة الفقر الإبداعي القادم، الذي مازال يتوكأ على منجزات إبداعية قديمة بعض الشيء وغير قادرة على التجدد. وينطبق هذا أيضاً على المنجزات التشكيلية بكل أشكالها التحديثية مثلما ينطبق أيضاً على الفنون الأخرى من رقص ومسرح وباقي قائمة الفنون الجماهيرية.

إننا كأمة عربية بتنا بحاجة بالفعل الى قوى إنهاضية لإمكاناتنا في البحث الجاد عن تشكلنا الحضاري المقبل. أقول هذا وأنا أعي أننا قمنا ومنذ مطلع القرن الذي نعيشه بممارسة حالة الخرس الحضاري التي لم تضف للأجيال المقبلة أي جديد يمكن أن يساعدها على استقراء خارطة المستقبل، لا بل إن الأعتى من ذلك أننا قمنا بابتلاع خارطة المستقبل بعد أن قمنا بالطبع باعتلاء صهوة ماضينا الميت.

إن الشعوب التي أنجزت نقلتها الحضارية استطاعت في وقت وجيز الانقضاض على تاريخها والاشتباك معه، وإعادة إنجاز الأسئلة المحرضة على النهوض الحضاري، لكننا عربياً مازلنا نحرث في الهواء، ومازلنا نتلمس الغيب في إطلالته على واقعنا وإنقاذنا من كل هذا الفراغ الحضاري، ولكن للأسف ما من مجيب، ولذلك فإنه بات من الطبيعي أن تظهر لنا الشخصية العربية وهي مدماة بآثار الماضوية القريبة والبعيدة من خلال تعاملها مع شجن الانخراط القسري في الزمن واختلالاته المضارعية والمستقبلية. وقد باتت وعلى إثر هذا التواصل الأعرج مع فكرة الزمن حالة التيه القائمة بين العربي وأزمنته الإبداعية.

إننا بحاجة الى إجراء عملية تجميلية لطبيعة تعاملنا مع الزمن كي نحصل على انتصاب القامة والتحرك الطلق، كي نحصل على المشهد الذي يرينا عافية الهمة التي تتعامل مع إشكاليات الإبداع وزمن الكتابة، ذلك أن المؤسف في علاقتنا مع الزمن الإبداعي تحتاج إلى فك ارتباط تكون فيه القدرة واضحة في تعاملنا مع الزمن الكتابي. ولعل التشوهات التي نعيشها ونشهد آثارها تكمن في تلك الأمية التي مازالت تلقي بظلالها على مشهدنا الاعتراكي مع الزمن الكتابي واختلالاته.

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر