5 دقائق

إعادة شحن

خالد الكمدة

في سقف العالم، حيث جبال التبت تعانق السماء، لا يوجد الكثير من رفاهية الحضارة، ولا توجد اجتماعات ولا اتفاقيات ولا صفقات، ولا يوجد أيضاً وقت للنميمة، ولا مساحة للكره أو الحسد.

وَصَلنا كثيراً كيف يقضي نُساك الجبال ساعات وأياماً في استخراج مكنونات صدورهم من النفائس، وكيف استطاع الصينيون بقدرات خارقة هزيمة أعدائهم في الحروب على مرّ التاريخ، وسمعنا عن الصحابي الجليل الذي طلب من طبيبه ألا يقطع ساقه حتى يدخل في الصلاة، نسمع ونُعجب، ثم تمر علينا القصة كأنها حكاية خيالية عن أبطال خياليين لا علاقة لنا بهم ولا ينتمون إلى طبيعتنا البشرية، ونحن مخطئون.

«ليست قدرات الصينيين خارقة، وليس لدى النُّساك في جبال التبت أوقات فراغ، ما يفرقهم عنا هو علاقاتهم الوثيقة بذواتهم».

في أعماق كل منا قوة عظيمة، طاقة هائلة، قدرات كامنة، يولد الكثيرون منا ويقضون دون ملامستها أو حتى اكتشافها، نعمل بجد طوال ساعات النهار، ويقضي الكثير منا جزءاً من ليله يواصل العمل، ننجز وننجح، وقد نفرح.. ونحن متعبون. نستسلم للمرض، نجزع أمام الحزن، نجتهد في إنجاز مهامنا، لكن كدمى بمسرح عرائس، غريبون عن أرواحنا، وغريبة هي عنا.

ليست قدرات الصينيين خارقة، وليس لدى النُّساك في جبال التبت أوقات فراغ، ما يفرقهم عنا هو علاقاتهم الوثيقة بذواتهم، ارتباطهم بدواخلهم، صحبتهم لأرواحهم التي يقضون في تمكينها ساعات، ليتحرروا بقوتها من قيود مسرح العرائس، ويحلقوا بحرية أكبر في حياتهم، بين أهلهم وأصدقائهم، في مكاتبهم وحتى في ساحات معاركهم.

عجيبة هي هذه الطاقة العظيمة في ذواتنا التي نهملها لصالح الروتين اليومي، غير مدركين أننا بملامستها وتنشيط الإيجابي منها والتخلص من السلبي، نعيد شحن أرواحنا، لنواصل الحياة بسعادة أكبر ونحو نجاحات أفضل.

مُنح كل منا طاقة كامنة، والفرق في قدرات البشر ليس إلا فرقاً في تنشيط تلك الطاقة وتسخيرها، فهم لمصادرها وتأثيرها في تجاوز التحديات، والتعامل مع الأزمات، والتخلص من السلبيات، نحتاج جميعنا إلى صيانة روحية دورية، نفرغ خلالها ما يجثو على صدورنا من ذبذبات سالبة، نخرجها إلى الأرض في اتصال صادق، أو نبثها إلى الفضاء في سويعات تأمُّل. نحتاج إلى استثمار أدوات أورثتها لنا ثقافتنا الإسلامية، أن نعرف معنى التفكر في الإيجابي من الأمور، أن نتذوق معنى الخشوع في العبادة وأمام كل ما هو متوازن وجميل في هذا الكون، أن نلامس الأرض التي خلقنا منها بحب وشوق يعيدان إلى أنفسنا التوازن، وإلى أرواحنا الاستقرار.

KhaledAlKamda@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر