مزاح.. ورماح

تصفيق «بلاستيكي»..

أحمد حسن الزعبي

ظل التعبير المرافق لكل قفزة جديدة في ثورة المعرفة والاتصالات والمواصلات أن العالم أصبح «قرية صغيرة».. واندهشنا ورددنا هذا التعبير طوال العقود الماضية من دون أن نأخذ دلالة كلمة «قرية» من كل زواياها، ففي القرية إقطاعي وفي القرية فلاح مسحوق يعمل بقوت يومه.. في القرية ذئاب وفي القرية خراف.. في القرية رأسمال وفي القرية بؤس.. في القرية سلطة وفي القرية عبودية، باختصار هذا الجانب الآخر من «العالم القرية».

في المطبوعة نفسها سترى تناقض الكون كله بين خبرين لا يفصل بينهما سوى ثلاثة «سنتيمترات»..

على اليمين تقرأ:

إن منظمة أطباء بلا حدود تصرخ كل يوم في وجه العالم محذرة من أن المدنيين المصابين بجروح بالغة في حلب هم بحاجة إلى جراحة وكراسي نقالة وأطراف اصطناعية، راجية العالم «الغافي» أنه بسبب النقص الحاد في التجهيزات الطبية يصبح الأطباء مضطرين أحياناً إلى القيام بعمليات بتر، في حين أنه في الأوقات العادية يمكن إنقاذ أطراف الجرحى.

كما أن إيجاد كرسي متحرك هو شبه مستحيل، وهناك نقص حاد في الأطراف الاصطناعية بالمجمل.

ناهيك عن تناقص عدد الأطباء العاملين في حلب، حيث كانوا قبل الحرب نحو 2500، والآن لا يتجاوز عددهم 100 طبيب، في حين فرّ الآخرون من المدينة أو هُجّروا منها أو خطفوا أو قتلوا.

وعلى الشمال تقرأ:

عن إقامة جنائز مهيبة ومراسم دفن لـ«روبوتات» كلاب في اليابان.. ومرفق مع الخبر صورة لراهب في معبد بوذي يتلو صلوات لطلب الراحة لنفس الراحل «الكلب الآلي آيبو» الذي انتجته شركة سوني عام 1999 وتوقفت عن إنتاجه عام 2006، وبات يعاني مقتنو الروبوت «آيبو» في الآونة الأخيرة من إيجاد قطع غيار لهذه اللعبة، الأمر الذي دعا جميع المهتمين بـ«آيبو» إلى إقامة جنازة جماعية، ومن ثم التوجه بهم إلى المقبرة الإلكترونية العامة، حيث سيوارى «السوفت وير» الطاهر إلى مثواه الأخير هناك.

أرأيتم كيف أصبح العالم قرية لئيمة؟! شعوب تموت تحت الردم، وروبوتات تقام لها «جنائز» مهيبة، شعوب تحتاج إلى أطراف اصطناعية لتعيش، وروبوتات تسحب من السوق بسبب قلة «قطع الغيار»!

هم يكرّمون «إنتاجهم» وإن كان مجرد أسلاك ومعدن، ونحن نقطع يد ولسان ورجل كل من يختلف معنا.

طيب امنحوهم أطرافاً اصطناعية كمكافأة نهاية خدمة، علّهم ينضموا إليكم ويهرعوا إلى صناديق الاختراع ليرموا الـ«تسعة» في 99.99%، كما لا تنسوا أن تركبوا لهم يدين اصطناعيتين لتظفروا بتصفيق «بلاستيكي» يكلل نشوة الانتصار.

إنهم بعض كائنات المزرعة.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر