أبواب

سيرة مدينة اسمها دبي

علي العامري

المدن تكتب سيرتها بما تنجزه، وبما تنبض به في نهارها وليلها، وبما تفتح من آفاق جديدة، وبما تشع به روحها، وبما تحلم به. فالمدينة «كائن حي»، تنمو وتهرم وتمرض وتموت، فكم من مدينة أصابتها الحمى وانزوت في لحدها التاريخي، بين طيات الكتب، حتى لكأننا حين نقرأ عنها، نشعر بأنها خيالية، ولم تكن من قبل. لكنْ ثمة مدن نقشت سيرتها في سجل المدن العالمية، مثل دبي، المدينة التي تستلقي بين الأزرق البحري وذهب الرمال، بين الماء والصحراء، بين قصيدتين من بحر وبر.

المدن وجوه، والمدن نساء، والمدن ذاكرة، والمدن كتب، والمدن أجنحة، والمدن ألوان. هناك مدينة تأخذنا إلى أنفسنا، ومدينة ترتحل بنا إلى كنه الجمال أينما توجهنا، ومدينة تحرك الضوء الهاجع في حجر على طرف البحر، ومدينة تفتح شرفتها على الماضي.


لكل مدينة طريقتها في صياغة سيرتها، ولكل مدينة بوصلتها، وأسرارها ومفاتيحها، فكم من المدن التي زرناها، لكنها استعصت علينا، واستعصى الولوج إلى قلبها، إلى أن نعرف مفاتيحها ونفكّ رموزها ونندغم مع إيقاعاتها.

لكل مدينة روحها، ودبي تتألق بأهلها وروحها، حتى أننا يمكن أن نرسم صورة شخصية لها، من ملامح الناس والمكان والزمان. لها وجه متفائل ومطمئن، هو علامتها الأولى، وبصمتها بين المدن.

لدبي موسيقاها الخفية التي تسري بين البشر وفي الشجر والحجر والبر والبحر، كما أن لها فضاءاتها وانشغالاتها، ولها خيال وأحلام يقظة أيضاً.

ولكل مدينة طريقتها في صياغة سيرتها، ولكل مدينة بوصلتها، وأسرارها ومفاتيحها، فكم من المدن التي زرناها، لكنها استعصت علينا، واستعصى الولوج إلى قلبها، إلى أن نعرف مفاتيحها ونفكّ رموزها ونندغم مع إيقاعاتها. وكم من المدن التي أحسسنا فيها بالتعب واللهاث والتشتت، إلى أن نصغي إلى موسيقاها، فنغدو نبضاً من نبضاتها. وهناك مدن تبقينا في خانة «الغرباء»، في حين تفتح مدن، مثل دبي، ذراعيها مع ابتسامة قلبية لتستقبلنا.

أكتب هذا، وأنا أتذكر ما قاله صديق إسباني، هو الكاتب والصحافي، مانويل روميرو، مؤسس صحيفة «الصوت الحر» ومؤسسة صنع الأفكار «كومونيكا» ورئيس مجلة «بانوراما»، الذي زار دبي للمرة الأولى، في شهر فبراير الماضي، إذ وصف دبي بأنها واحدة من أبرز المدن العالمية التي لا يتجاوز عددها سبع مدن. وقال لي روميرو «مع أنني أزور دبي للمرة الأولى، إلا أنني شعرت كما لو أنها بيتي، ولم أشعر إطلاقاً بأنني غريب في المدينة». كما أكد صاحب موسوعة «الكتاب الذهبي في التسويق الإبداعي» أن «دبي مدينة تحتضن الزائر، وقد منحتني شعوراً بالألفة والانسجام والتوافق مع كل عناصرها. وهي مدينة الأمان والفرص والجَمال والإبداع».

هذا ما ذكره روميرو الذي وعد بزيارات لاحقة لمدينة دبي التي «أحبها وأحبته منذ الطلة الأولى» وفق تعبيره. وما قاله يعد شهادة من كاتب وصحافي طاف مدناً عديدة في العالم. واستطاع أن يرى كيف تستقبل دبي ضيوفها بـ«صيغة القلب»، وكيف تضيء سيرتها بإنجازاتها، وكيف غيرت دبي حياة الملايين إلى الأفضل، وكيف أنعشت الأمل في قلب أُمّ، في عين طفل، وكيف تجمع العالم من مختلف الثقافات تحت سمائها، وكيف تقول «مرحباً» من القلب إلى القلب.

نعم، المدن وجوه، والمدن نساء، والمدن ذاكرة، والمدن كتب، والمدن أجنحة، والمدن ألوان. هناك مدينة تأخذنا إلى أنفسنا، ومدينة ترتحل بنا إلى كنه الجمال أينما توجهنا، ومدينة تحرك الضوء الهاجع في حجر على طرف البحر، ومدينة تفتح شرفتها على الماضي، ويزهر الحاضر بين يديها، وفي الوقت نفسه تفتح بوابة المستقبل وتضيء أبجدية الحلم.

نعم، دبي مدينة الإنسان.

alialameri@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر