5 دقائق

«سيلفي» مع عكّاز

خالد الكمدة

دقائق خمس قضاها جمال، وهو يتأكد من ثنية غترته أمام المرآة، ستكون حتماً واضحة في الصور، ابتسم لنفسه ابتسامة خفيفة، هكذا سيقف إذا حالفه الحظ بصورة مع المسؤول، علق بطاقة «المتطوع» على ثوبه، تذكرة دخوله لمؤتمر يضم كبار الشخصيات، وانطلق بحماس.. على باب المنزل، أطفأت كومة الحصى القابعة بفظاظة أمام منزل جاره المسن بعضاً من حماسه، لاتزال هذه الكومة منذ أسبوعين تطلق غبارها على السيارات والنوافذ، سيذهب الآن إلى قاعة المؤتمرات الراقية بسيارة متسخة.. ولكن لا بأس لن تظهر السيارة في الصورة.

جميلة هي بلا شك كل لقطات «السيلفي»، التي يوثقون بها تطوعهم، لكننا بحاجة إليهم أيضاً خلف الكواليس.

جار جمال المسن هو أيضاً مستاء من هذه الكومة، التي منعته من الجلوس مع أقرانه على باب المنزل بعد صلاة العشاء، لكنه بالكاد قادر على نقل نفسه داخل المنزل بعكّاز، وابنه الوحيد لايزال غارقاً بين صفحات الكتب في الغرب، يعمل بجد لأجل شهادة يكتب فيها اسمه الثلاثي ويهديها إلى أبيه بعد سنوات الغربة، فكيف لهما أن يزيلا الحصى؟

لن تأخذ الريح كومة الحصى، ولن تسير الحصيات بمفردها لتغادر المكان، يتطلب الأمر على بساطته «مبادرة»، يد تزيل الأذى عن الطريق طواعية، لا لأنها ملزمة بذلك، ولا لأنها ستكافأ على ذلك، ولا لتضع لقطات للمكان «قبل» و«بعد» على مواقع التواصل الاجتماعي.

توسع التطوع في مجتمعنا، وانتشر وحاز إقبالاً وقبولاً، غير أن طريقنا لايزال طويلاً في بلورة مفهومه، وتبيان رؤيته، وصياغة أهدافه، لازلنا بحاجة إلى التفريق بين فهم التطوع من منطلق طواعية المشاركة، وبين فهمه من منطلق «المبادرة»، المبادرة بمنح شيء من وقتنا وجهدنا لنحسّن حياة آخرين، لنساعد في بناء المجتمع.

من الجميل أن نرى زهور الوطن من شابات وشبان كجمال، يستقبلوننا برحابة كمتطوعين في الفعاليات، وجميلة هي بلا شك كل لقطات «السيلفي» التي يوثقون بها تطوعهم، لكننا بحاجة إليهم أيضاً خلف الكواليس، بحاجة إلى حماسهم ونشاطهم، ليشرقوا بها الزوايا القاتمة في حياة آخرين، نحتاج إلى فهم أوسع لأهمية التطوع، والمبادرة في العمل المجتمعي، الذي لن يكون سهلاً على الدوام، ولن يتيح لمن يقوم به التقاط «سيلفي» إلا مع مسن أو كومة حصى، أو مع عكّاز.

@KhaledAlKamda

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر