5 دقائق

لنكسر طوق وحدتهم

خالد الكمدة

إذا ما استطلعت آراء 100 شاب وشابة، عن أجمل ما في الزواج، وأهم مزاياه، فستحصل على الكثير من الأسباب، أغلبها مكرر، وبعضها مفاجئ، لكن سبباً واحداً لن يذكره أحد، وسيكون هو السبب الأول، وأحياناً الوحيد لهم جميعاً، إذا ما كرّرت استطلاعك للفئة نفسها بعد أربعة عقود.

«الأرمل والأرملة، قصة غير محكية في مجتمعنا، لم تصنف قط كقضية، ولم يلتفت إلى صاحبها بشفقة».

أنيس لوحدتي، رفيق لن يتركني عندما يكبر الأولاد ويذهبون، وعندما يسافر الأصدقاء أو يبتعدون، وعندما يفارقنا الأب والأم. رفيق لن يسأم من قصصي المكررة، ولن يتأفف من طباعي المستنكرة، سيظل معي في المساء حتى وإن كان صباحنا مملوءاً بالمشاحنات، لن أضطر إلى تجميل شيخوختي في حضرته، فقد قطف زهرة صباي، وأغدق عليَّ بعبير شبابه، رفيقٌ فرح معي، وحزن معي، وكبر معي، وشاخ معي، ولن يأبه لضعف بنيتي أو هفوات ذاكرتي، هذا ما لا يخطر ببال الشباب، ويدركونه حكماً بفعل السنين.

عندما تهدأ فورة الشباب، وتطمئن رياح الطموح، ستدرك وحشة وحدتك ما لم تكن بصحبة رفيق، ليس له هو الآخر أحد غيرك، لا فرق إن كان لديك عشرة أبناء أو عشرون، فجميعهم مهما حسنت أخلاقهم، ملزمون بأدوارهم في الحياة، مشغولون بها طوال نهارهم، قلقون عليها جل ليلهم. لا فرق إن كانت حياتك حافلة وقابلت فيها مئات الأصدقاء والشركاء، فأدوارهم جميعاً انتهت مع انتهاء مشروعاتها، ولن يبقى منهم إلا الذكرى، جميلة كانت أم قاسية. رفيق عمرك هو فقط من سيبقى في الخريف، وسيمسك بيديك وأنتما ترتجفان معاً في الشتاء، وهو فقط من سيكسره غيابك، إن أنت غبت أو رحلت.

علينا جميعاً أن ندرك هذه الحقيقة قبل أن تباغتنا، أن لا ندع سنين القوة والنجاح تحجب عنا الرؤية وتخدعنا بأننا قادرون على الاستمرار بمفردنا دون رفيق درب.

إذا ما أنهى القدر دور أحدنا عند محطة من الرحلة، وطوقه الحزن بسور الوحدة، وبات غير آبه بما سيأتي، غير مدرك وحشة الدرب دون رفيق، فهو مسؤولية المجتمع، هو مسؤولية أبنائه وأقربائه وأصدقائه، الذين يعلمون جميعاً أنهم سيدعونه وحيداً في وقت ما مهما بلغت محبتهم له.

الأرمل والأرملة، قصة غير محكية في مجتمعنا، لم تصنف قط كقضية، ولم يلتفت إلى صاحبها بشفقة. قدر.. هكذا تبرر وحدته ولا عزاء له إلا الذكريات، لا يلتفت إلى احتياجاته الإنسانية التي لا يصارح هو بها نفسه في كثير من الأحيان، يفترسه اكتئاب غير واضح الملامح، ويغطي الحزن ملامح السكينة في داخله.

قد لا يكون الترمل أقسى أنواع الوحدة، لكنه أكثرها غبناً من حيث البحث والعلاج، وجدير بنا أن نرأب الصدوع التي يحدثها الفقد في حياة الأرامل، وأن نعمل ليؤنس وحدتهم رفيق، قبل أن يستبيحهم الحزن وتغلبهم الكآبة.

KhaledAlKamda@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر