5 دقائق

هكذا تصبح المملكة خاوية

خالد الكمدة

يُحكى أن امرأة دمثة الطباع، عذبة الطبيعة، وضّحة الخِلقَة كانت تبحث عن السعادة، لا تقنع برضا زوجها ولا عطف أبيها، لا تفرح بسعة دارها ولا رغد عيشها، ويؤلمها فراغ في صدرها، تؤمن بأن سعادتها في ملئه. رزقت بصبيّ بهيّ، أشرقت له أساريرها، وانشرحت برفقته أيامها.

كبر الصبي، وكبر هيامها به، وتعلقه بها، حتى صار شاباً قوياً تثري تفاصيل حياته دنياها، ويملأ رضاه مملكة قلبها التي ظلت خاوية من معاني السعادة قبله.

وذات مساء، كانت تراقب لمعان النجوم، شعرت بأن النجمة الأجمل هبطت من السماء لتستقر بين يديها، وتلامس روحها. غمرتها نشوة الفرح وهرولت لابنها، تريد وضع النجمة في يده، فما وصل إليها من السعادة كان هو سره، أمسكت يده ووضعت بها النجمة. ولكن الخوف هو ما لامس يد الشاب المحب لأمه، خوفه من أن يضيع سرّ سعادتها، ارتعشت يده، وسقطت النجمة.. تحطمت.

«المخطئ من يضع سعادته في أيدي آخرين، وينتظرهم ليمنحوه منها».

بعد ليل، كان هناك امرأة يؤلمها فراغ في صدرها، تعتقد بأن لا شيء سيملؤه. وشاب حنون حزين يشعر بأن رضاه لم يحل دون ترك صدر أمه فارغاً..

من المخطئ؟ المخطئ من يضع سعادته في أيدي آخرين، وينتظرهم ليمنحوه منها. عندما كانت الأم ترافق ابنها وتمنحه الحب، كانت السعادة تشع من صدرها، وعندما خبأتها في يده، وأوكلته مهمة إسعادها، صار الخوف أكبر من الحب، فتلاشى الفرح وانكسر سره، وصار الحزن نزيلاً ثقيلاً يحتلّ لنفسه الحجرة الأعظم في ممالك القلوب الخاوية.

أنت المسؤول عن سعادتك، وفي يديك كل مفاتيحها، مزيفة هي السعادة التي ترتبط بالأشخاص والأمكنة، هشة هي العلاقات التي تؤسس على الحاجة، خاوية هي القلوب التي تنتظر فرحها من الآخرين كما تنتظر الصحراء عطف السماء، وتطلب الرحمة منهم كما يطلب المريض الدواء.

حياتنا ليست أشخاصاً أو إنجازات، ليست في قمر أو نجمة، ليست بقرب ابن أو محبة زوج، ليست في جمال الشباب أو ثروة الكهولة، سعادتنا لا ترتبط بشيء إلا بقناعة تولد في ذواتنا، برضا ينبسط في وجداننا، بإدراك لكل ما هو مشرق على هذه الأرض، وبكل كنوز ممالكنا مهما تواضع لمعانها، ومهما تراكم عليها من غبار الزمن.

KhaledAlKamda@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر