5 دقائق

ليتك تعيدها كما خرجت

خالد الكمدة

حقيبتان وبضعة أكياس، متاع عائشة إلى بيت أخيها، فما اقتطعت لها زوجته من غرف الأبناء لا يتسع للكثير.. حقيبتان خفيفتان، فهي لا تقوى على حمل كثير من الأوزان، فحملها من الهموم ثقيل، ومن الذكريات أثقل.

«إذا ما اشتهت نفسك إنهاء الشراكة، سواء كانت حجتك في ذلك وهن أواصرها، أو كثير مغارمها، أو انتهاء صلاحيتها، أو نزوة جارفة، فلابد من جرد مفصّل للحساب».

«سأعيدك إلى منزل أهلك كما خرجت منه».. توعّد زوجها، لكنها لم تخرج هكذا، خرجت من بيت أب رعاها بحبّ، وأغدق عليها بحنان، وأسلم روحه بعد أن رأى ذريتها، خرجت بحقيبتين وكثير من الفخر والعزّة، بزهو وبهجة، بوجنتين حمراوين وابتسامة عريضة، برأس مرفوع وقلب طاهر محب للعطاء، عازم على بناء حياة جديدة سعيدة، وأسرة ناجحة مستقرة، خرجت عروساً وعادت منكسرة، وبمسمى جديد «مطلقة»، ليتك أعدتها كما خرجت!

على مقبض الحقيبة، وجدت ملصقات منسية، في مثل هذا الشهر قبل عامين كانت تطير بها معه إلى الشرق والغرب، تجمع بعناية قطع أثاث منزل الزوجية، انتظرته طويلاً، وحصلت عليه، في هذه الحقيبة وضعت فناجين قهوة بين الملابس، حتى لا تنكسر، تراهنت مع زوجها أن الفناجين ستصل سليمة، وصلت الفناجين، وُضعت على رفّ أنيق في غرفة الطعام، ثم ودّعتها عائشة، وتركتها لتلامس شفاه سيدة أخرى، ستشرب القهوة بهناء.

ليس الغبن مقبولاً في أي شراكة، هكذا هو ديننا، وهذه أخلاقنا. تلك المرأة التي وقّعت لك أوراقاً على بياض، منحتك كل شيء، كل ما استطاعت، كل قدرتها وطاقتها، بغير وزن أو محاسبة أو مراجعة، ليست مذنبة، إذا كان كل ما لديها ليس هو كل ما أردت أنت. تلك المرأة التي قبلت برضى كامل دور شريك متضامن، لتعطي وتمنح دون سؤال أو وجل، ثم تُنحّى ببساطة، بجرة قلم، أو بعبارة من سبعة أحرف «أنتِ طالق».

إذا ما اشتهت نفسك إنهاء الشراكة، سواء كانت حجتك في ذلك وهن أواصرها، أو كثير مغارمها أو انتهاء صلاحيتها، أو نزوة جارفة، فلابد من جرد مفصّل للحساب.

قد تنهي الحروف السبعة زواجاً، لكن مَن أذن لك بذلك قال أيضاً «تفريق بإحسان»، لم يقل تفريق بسبعة أحرف تغبن فيه الحقوق، الحقوق التي لم تكتب على ورق، ولم يسجلها كاتب بالعدل، حقوق يُفصّلها جرد حساب مسهب، تحتسب فيه كل ليلة سهرت فيها تنتظرك خوفاً عليك، كل موعد مع أهل أو صديقة ألغته لتستقبلك، كل جرعة «أدرينالين» إضافية تدفقت إلى دمها وهي تقف بين يدي غضبك، كل لحظة خوف ورعشة أصابع اجتاحتها وهي تحلل صمتك، كل عظمة من ظهرها تفككت وهي تلد طفلك، جرد حساب مفصّل سيغبنها الكثير من الحقوق مهما عدل، هكذا تعيدها إلى منزل أهلها إن أردتَ.. وستبقى جائراً.

KhaledAlKamda@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر