5 دقائق

قال ابن الجوزي

د.عبدالله الكمالي

عُرف ابن الجوزي البغدادي بعباراته الوعظية الجميلة، ومن جميل عباراته: «وأعلم أن زمن الابتلاء ضيف قراه الصبر.. وعلِّل الناقة بالحدو تسر»، وهذه الكلمات اللطيفة فيها تخفيف عن من ابتلاه الله بشيء من المرض أو الهم أو غير ذلك من الأمور التي قد تصيب الإنسان في هذه الحياة، فمن الذي تصفو له الدنيا دون كدر أو منغص، فسلاح الإنسان لمواجهة هذه الابتلاءات الصبر، فمن صبر ظفر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «وإن النصر مع الصبر»، وفي كلمة ابن الجوزي، رحمه الله، تذكير لكل مبتلى بأن لا يتوجه لعلاج مشكلته بحلول غير منطقية، وليست مقبولة، فأحياناً يوسوس الشيطان لبعض من يقع عليه البلاء بأن يعالج مشكلته بما يضاعف عليه البلاء أضعافاً مضاعفة، ثم يفاجأ بأن مشكلته لم تحل، لأنه استخدم حلولاً غير مقبولة بحال من الأحوال لعلاجها، كمن يلجأ إلى المشعوذين والكهان إذا ابتلي بمرض، أو من يستخدم العنف مع زوجته لعلاج مشكلاته الأسرية، فيتصور أن علاجها سيكون بالضرب والتكسير! أو من تتوجه إلى الخيانة الزوجية، إن وجدت من زوجها جفاء في التعامل، وهذه الحلول كلها ليست مقبولة إطلاقاً، وعندما يسألني بعضهم عن علاج مشكلته أخبره بأن العلاج في الصبر فقط، فمن تأنَّ تمكن من اتخاذ القرار المناسب، وستهدأ العاصفة، ويعقبها الخير واليسر، إن شاء الله، وبعضهم قد يقول: صبرت فلم ينفعني الصبر! وكلامه مردود عليه، فلو لم يكن من فوائد الصبر إلا أن المشكلة لا تكبر ولا تتضاعف، فإن في ذلك خيراً عظيماً، وأيضاً كم في الصبر من أجور وحسنات عظيمة للصابرين المحتسبين.

أحياناً يوسوس الشيطان لبعض من يقع عليه البلاء بأن يعالج مشكلته بما يضاعف عليه البلاء أضعافاً مضاعفة.

ثم قال ابن الجوزي: «وعلل الناقة بالحدو تسر»، فمن واسى نفسه وسلاها ببعض الأمور فإن النفس ستهدأ، بإذن الله، فمهما كنت في بلاء فهناك من يعاني أكثر منك، ولم يسمع الناس منه كلمة في الشكاية والتذمر، وإنما سمعوا منه حمداً وثناءً على الله، رغم شدة بلائه وألمه، وبعضهم رغم تعبه من تتابع الهموم عليه يشغل وقته في قراءة القرآن، والتأمل في سيرة النبي، صلى الله عليه وسلم، وسيرة الأنبياء والرسل، وكيف أنهم صبروا على مختلف أنواع البلاء، فيجد أن نفسه قد انشرحت، رغم ألمها وأنينها، بل منهم من يبتسم رغم الألم، وينشر الأمل والتفاؤل عند الناس، فلولا معرفة الناس بحاله لما صدقوا أن هذا الرجل ــ مثلاً ــ فقد بعض أولاده في حادث سيارة، أو أن هذه المرأة الصابرة الصالحة تعاني مرض السرطان، فاللهم خفف البلاء عنهم، وفرِّج كربهم.

مدير مشروع مكتوم لتحفيظ القرآن الكريم

بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي

@alkamali11

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر