5 دقائق

من محطة الترانزيت

خالد الكمدة

أمام باب غرفتك، وقفت يوم أمس لبرهة، وضعت يدي على المقبض، أعلم أنك لست بالداخل، فرحلتك بدأت يوم أمس إلى محطة ستستقر فيها، تنطلق منها وتعود إليها، وهذه الغرفة ستبقى وحيدة مع ذكرياتك، تحولت إلى محطة ترانزيت، تزورها أنت على عجالة، ومربع لجميل ذكرياتنا أنا وأمك، نقف عند بابها، أو نتنزه في فيئها، نلتمس أريجك بين أغطية السرير، أو نفتش عن عينيك في المرايا والصور.

بالأمس، كنتُ أسعد رجال العالم، وأنا أراك تخطو خطوتك الأولى في دنياك الجديدة، تلتحم بها روحك بمهجة تليق بنقائك وعذوبتك، ترافقك في رحلة أدعو إلى أن تكون الأفضل والأنجح في حياتك. بالأمس، مرت في مخيلتي وأنا أضع البشت على كتفيك، صورتك الأولى بين يدي، رضيعاً بديعاً، كبرت يا عبدالله وكبر كل شيء.

«وصفت برضاك كيف تؤتي التربية أكلها ولخصت بجميل خلقك كيف يُكافأ أب من حيث لا يدري».

وصفت برضاك كيف تؤتي التربية أكلها ولخصت بجميل خلقك كيف يُكافأ أب من حيث لا يدري.

لا يدرك تخبط المشاعر إلا من يعيش اللحظة، ولا يعلم كثيرون كيف لزواج ابنك البكر أن يقدم لك شرحاً مفصلاً عن أسئلة بقيت غير نهائية الجواب سنوات وسنوات، كيف تدرك في حفل زفاف، أنك قد أنجزت، أنك امتثلت لأمر خالقك بإعمار الأرض. طفل لا تدرك وأنت تمسكه بيد واحدة، وهو في المهد، أنه سيكون التقرير الأجمل والأصدق لعملك، أن تربيته طفلاً، ومراقبته وتأديبه شاباً، ومصادقته رجلاً، ووضع البشت على كتفيه عريساً. مشروع أتممتَ مراحله بنجاح، قدمته للعالم سعيداً به، مضطرباً لأنه لن يكون بين يديك ساعات طوال كما كان على مر سنين، سيبتعد وتراه يورق ويزهر بغير كثير عناء، ويبرهن للعالم كيف تلد المشروعات الناجحة أخرى أكثر نجاحاً.

لا يعلم كثير من الأمهات والآباء عِظَمَ مشروعاتهم، يبحثون ويجتهدون ويثابرون، من أجل جمع ثروة أو تحقيق منصب، مسوغهم إلى ذلك أن الإنسان خلق لإعمار الأرض، وأنهم يريدون تأمين مستقبل لائق لأبنائهم، مشكورة هي جهودهم، ولكن إعمار الإنسان هو إعمار الأرض، رعاية الأسرة أهم المشروعات وأنبلها نتائج.

رحلتك يا عبدالله لن تكون سهلة، ولكنها الأمتع، هنيئاً لك ولنا بمحطتك النهائية، ولكن لا تنسى محطة الترانزيت.

KhaledAlKamda@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر