أبواب

الثقافة العربية والسياسة

خليل قنديل

ظلت الثقافة العربية في تاريخها المعاصر تعتمد على ما يغدقه عليها السياسي والكادر السياسي من تفريغ للتجربة التي عاشها السياسي وتجليات العرج الروحي الذي عاناه السياسي العربي، وظلت النظرية الكتابية العربية تقتات على ما تفرزه هذه التجربة من تجليات.

وفي قراءة عاجلة لتاريخنا الكتابي المعاصر نلحظ أن السياسة كانت هي بالفعل المنقذ الحقيقي لحالات الإفلاس الكتابي العربي، اذ نلحظ أن الواقع الكتابي العربي يعيش في زمن معين حالة من البطالة الفراغية، وذلك حين يهجر السياسي مكانه في الإبداع على وجه العموم لا التخصيص. ومع تحفظنا على هذا النهج نقول إن السياسي الذي فقد بوصلته الإبداعية في وقت مبكر قد عاد واسترد هذه البوصلة لتعيده الى عالم الكتابة من جديد، وعلينا هنا أن نستبعد عوالم كتابية لمبدعين من أمثال طه حسين ونجيب محفوظ وحتى يوسف السباعي، ذلك أن معظم هؤلاء قد انخرطوا في وقت مبكر في الكتابة المجردة من السياسي والمنظر الثوري، وذلك تحت وطأة النظام السياسي وسلطته القامعة. ويمكن ايضاً ملاحظة أن الأدباء الساسة قد خنقهم الاضطهاد والقمع ما جعلهم يبحثون عن متنفس يمكن أن يفرغوا من خلاله معاناتهم التاريخية مع الكتابة، وقساوة اللجم الذي تمارسه السلطة السياسية عليهم، فكان أن وجدوا أن الكتابة الأدبية كانت تمثل بالنسبة لهم خشبة الخلاص التي من الممكن أن تقودهم الى بر الأمان النفسي والصحي.

«كان المبدع الذي تعمقت تجربته بالانضمام إلى الحزب السياسي يتسيد المشهد الكتابي العربي، ويحصن كتابته بالمرجعية التنظيمية والسياسية».


«نظل على أمل أن تنهض الكتابة الأدبية العربية من كبوتها هذه، وتلتحق بالكتابة الوضاءة التي تنير طريق الكتابة بالإبداع الحقيقي».

ومن هنا نقول إن «الحكّة» الكتابية حول تقسيم الأدب الى ملتزم وغير ملتزم كانت من الطروحات الفائضة للكاتب السياسي ومن حمولته تحديداً. وأنا باعتباري من كتاب سبعينات القرن المنصرم أعترف بأني قد عانيت في كتاباتي كثيراً تحميل كتاباتي البعد الملتزم، حيث كان يقف لنا آنذاك بالمرصاد الناقد المؤدلج وهو يبحث عن افتراقنا أو انجذابنا للأدب الملتزم بقضايا الوطن والأمة.

وأذكر بعض الأدباء والكتاب الذين رفضوا في وقت مبكر هذا الانضواء، حيث جرى تخوينهم وتأكيد إفلاسهم البرجوازي

وقد كان عليهم أن يدفعوا ثمن هذا الانحراف. ولأن الأدب العربي ليس له هذا النوع من الحراس من النقاد المؤدلجين نقدياً كان العمل الإبداعي العربي يقف وحيداً في ساحة النقد يتلقى كل الركلات الترجيحية ولا يجد من يدافع عنه سوى النقاد «الساسة» إن جاز التعبير.

وعلى الجانب الآخر كان المبدع الذي تعمقت تجربته بالانضمام الى الحزب السياسي يتسيد المشهد الكتابي العربي، ويحصّن كتابته بالمرجعية التنظيمية والسياسية العربية.

وحين استرد القارئ العربي أذنه الاستماعية وكشف طابق الانضواء في لجوء السياسي الى الأدب كي يفرغ تجربته الحزبية، سرت مصطلحات جديدة أخذت تسمي القصائد التي تعتمد النهج السياسي بالقصيدة المنبرية أو الإنشائية، وصار معظم الكتاب يتحاشون فكرة الكتابة من باب الالتزام السياسي والتنظيمي.

وإزاء هذا التهور في البناء والنهج نلحظ ان الأدب العربي قام بخطوات انسحابية من المناخ الالتزامي عموماً قي الأدب، وحدث في مقابل هذا الانسحاب حالة فراغية في الأدب العربي عموماً، ما أدى الى تشرذم المدارس الإبداعية العربية فبدت الساحة الإبداعية العربية كأنها تعاني القحط الإبداعي وفقدان النهج.

ونظل على أمل ان تنهض الكتابة الأدبية العربية من كبوتها هذه وتلتحق بالكتابة الوضاءة التي تنير طريق الكتابة بالإبداع الحقيقي الذي لا يتوخى إلا النهوض بالإبداع.

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر