أبواب

سنة الضوء.. أحلام جديدة

علي العامري

عند منتصف الليل، تماماً تضاء الأرض من مشرقها إلى مغربها، مع اختلاف التوقيت بين بلد وآخر، لكن ثمة إجماع كوكبي على إضاءة البيوت والصروح والأبراج والمعالم التاريخية، وحتى المياه تضاء عند منتصف الليل، منتصف الحلم بغد أجمل.

كأن الأرض في مهرجان للأمل، ليتجدّد الحلم بالفرح والإنجازات والأمان، على الرغم من العتمة والدم والأحزان التي علقت بثوب عام 2014. كما لا يفوتني أن أذكّر بأن هذا العام الذي يجرجر أسماله الآن، كان يحمل أفراحاً لكثيرين، تحقق لهم جزء مما كانوا يحلمون به. كما كان لآخرين عتبة إلى أحلام جديدة.

2015 جرس جديد يدعونا إلى النهوض في كل المجالات، وهي «السنة الدولية للضوء»، التي اعتمدتها «اليونيسكو»، واختارت عالم البصريات العربي «ابن الهيثم» لتحتفي بإنجازاته الكبرى التي قدمها إلى الإنسانية جمعاء.


نحن العرب لم نعرف ذاتنا جيداً، وأصبحنا «نستهلك» الصورة التي «ابتدعها» الآخرون عنا، وصدقناها وصادقنا عليها من خلال ظواهر سلبية، على رأسها ظاهرة التطرف الدموي.

ومع بدء عام 2015، تتلألأ الأضواء في سماء منتصف الليل، مثلما يتوهج الحب والأمل في أرواحنا، كما لو أننا نتدرب في الحياة على تشكيل الفرح في كل لحظة. مع المهرجان الضوئي الذي يغمر كوكبنا الأزرق، تتفتح زهرة الضوء في قلوبنا، ويتفتح أمل بأن نعود قادرين على الإسهام في الحضارة الإنسانية، علماً وأدباً وفناً. خصوصاً أننا نحن العرب لم نعرف ذاتنا جيداً، وأصبحنا «نستهلك» الصورة التي «ابتدعها» الآخرون عنا، وصدقناها وصادقنا عليها من خلال ظواهر سلبية، على رأسها التطرف الدموي. وأصبحت الصورة الطافية لنا تتمثل في الاستهلاك بكل صنوفه، والارتهان إلى صورة «المتواكل» والضعيف والمهزوم و«فاقد الحيلة»، مع نسيان طاقاتنا الخلاقة، وعدم معرفة الذات العربية التي كانت في يوم من الأيام «الذات المضيئة» في عالم قاتم خلال القرون الوسطى.

لكن السنة الجديدة 2015، تبقى جرساً يذكّرنا بما قدمنا للعالم. ولا أقول هذا من باب الارتماء على عتبة الماضي والتغني به. إنما لنتذكر أننا مطالبون بمعرفة ذاتنا، وأننا نملك من الطاقة ما يكفي لبناء صورة مضيئة وحقيقية لنا.

2015 جرس جديد يدعونا إلى النهوض في كل المجالات، وهي «السنة الدولية للضوء» التي اعتمدتها «اليونيسكو»، واختارت عالم البصريات العربي «ابن الهيثم» (965- 1040 ميلادي) لتحتفي بإنجازاته الكبرى التي قدمها إلى الإنسانية جمعاء. وجاء اختيار «اليونيسكو» لابن الهيثم «أبوالبصريات الحديثة»، لأن إنجازاته تمثل «ثورة بصرية».

وكان مهرجان الفنون الإسلامية في الشارقة الذي افتتح في 17 ديسمبر ويستمر حتى 17 يناير المقبل، سلط الضوء على الفنون والعلوم في الحضارة العربية والإسلامية، من خلال الندوة والمحاضرات والمعارض التي استلهمت مفهوم الزخرفة في تشكيلها والورش الفنية. وكان ابن الهيثم واحداً من عدد كبير من علماء العرب، تطول قائمة أسمائهم وإنجازاتهم، في الطب والفلك والبصريات والهندسة وعلم الآلات الذي كان يُسمى «علم الحيل»، وكذلك في علوم الإنسان والحيوان والنباتات والخرائط الجغرافية والكيمياء. وعلى سبيل المثال، أخذ الفنان ليوناردو دافنشي كثيراً من المعارف وتصاميم الاختراعات العلمية من مخطوط العالم العربي الأندلسي أبوخلف المرادي. وتطول قائمة الإسهامات العربية في الحضارة الإنسانية، ليفاجأ كثيرون بأن علماء العرب توصلوا قبل نحو 1000 عام إلى استخدام المنهج التجريبي، وصناعة الساعات والأدوات الطبية ونظم الري والزراعة المتقدمة وتطوير الإسطرلاب واختراعات متعددة في «علم الحيل»، وكانت شمس العرب انتقلت إلى أوروبا عبر قنطرة الأندلس وصقلية.

2015 «عام الضوء» هو عام ابن الهيثم، الذي نحلم بأن يكون عتبة لمحو «الظلام» الذي وقعنا في شباكه أسرى منذ قرون.

alialameri@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر