5 دقائق

أين السنع.. كفانا دلع!

خالد الكمدة

في محفل عام مزدحم يغص بالعائلات والأطفال من الزائرين وأبناء البلد.. وأنا معهم، أقضي حوائج أسرتي.. يفاجئني مشهد يشوش تفكيري ويملأ ذهني بإشارات التعجب وعلامات الاستفهام؛ شبان ثلاثة، أو هكذا هو تصنيفهم البشري، يختالون بيننا، من دون هوية ذكورية، بغير دلائل رجولية، وبلا وجود أو حتى بقايا لمعاني «السنع» التي نشأنا عليها. بشعور مسترسلة ومساحيق تجميل وضحكات فاحشة يوبئون المكان، ويجرحون نقاء ما اجتمعت من أجله الأسر، ويعكرون صفو من تشغله هموم وطنه ويؤرقه استقرار مجتمعه.. وهكذا تعكر مزاجي وقطعت رحلتي وعدت من دون قضاء حوائج الأسرة.

«لم يعد اليوم بإمكاننا إنكار الشيوع العلني لشباب صنّفوا أنفسهم جنساً ثالثاً، استسهلوا ظهورهم، وبثقة حمقاء صاروا يعتبرون لأنفسهم حقاً صريحاً في الوجود».

في منزلك، وبضغطة زر على محرك البحث تجد صفحات وصفحات ترشدك إلى غايتك وإلى ما هو أبعد من غايتك، سواء كنت من الباحثين عنها أو الباحثين في أمرها، يفاجئك حجم العناوين المتاحة لشركاء وهميين أو حقيقيين.. إذا أردت، ويذهلك انحطاط المحتوى لاسيما وأنت ترى بين صورة فاضحة وأخرى مخزية، صورة تذكارية لمعلم من معالم وطننا الحبيب. نحن لسنا بحاجة إلى تطهير صفحات الشبكة مما يشوه صورة المجتمع فقط، بل إلى اجتثاث جذور هذا الإسفاف السلوكي الذي يلقي بعداً قاتماً على مجتمعنا.

لا شيء يفسر الانتشار اللافت لهذه الآفات إلا انعدام التربية الذي أنتج اختلالاً في معايير الخطأ والصواب، وأولد انحرافات سلوكية مدمرة، تنهش في روح الشباب وتقتل كل الفرص لتسخير طاقتهم في بناء الحاضر أو تطوير المستقبل. إذا ما تأملنا بصدق؛ ومهما تألمنا؛ فلم يعد اليوم بإمكاننا إنكار الشيوع العلني لشباب صنفوا أنفسهم جنساً ثالثاً، استسهلوا ظهورهم، وبثقة حمقاء صاروا يعتبرون لأنفسهم حقاً صريحاً في الوجود. هؤلاء لم يسقطوا على مجتمعنا من كوكب آخر ولم يخرجوا من مسلسل هابط، هؤلاء أبناؤنا، حرموا حقهم في التأدب، غُيبت عنهم كل معاني «السنع»، وكل مفردات المروءة، وأغدق عليهم بالمال والدلال.

لا متهم في هذه القضية إلا الأسرة، لأن أي بناء أو إصلاح أو توجيه أو تقريع يصدر عن مؤسسة أو مدرسة أو مصلح أو صديق يبقى صوتاً بلا صدى، إذا لم يجد سوراً أسرياً يحيط الأبناء بمحبة ويحتوي انزلاقاتهم ويقيم انحرافاتهم. لن نجد حلاً مفتاحه ليس مخبأ في جيب الأهل، وقد يبدو استخراج المفاتيح من جيوب من هم غرقى في نزواتهم أصعب، لكننا بحاجة إلى المحاولة لننقذ من يمكن إنقاذه.

KhaledAlKamda@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر