كل جمعة

ثقافة المواجهة وأدواتها

باسل رفايعة

دخل المسلحون إلى المدرسة الباكستانية في بيشاور، قبل أيام، وهم «يصرخون: الله أكبر، ثم تقدموا مقتحمين الفصول الدراسية..»، يضيف الطفل أحمد فراز أنه «سمع مهاجماً يصرخ بسائر المسلحين، بأن هناك الكثير من الأطفال تحت المقاعد، اقتلوهم».

أحمد نجا من المذبحة البشعة، مع قلة من زملائه، بعضهم تمكن من الهرب، وبعضهم أصيب بجروح شديدة، لكنّ المؤكد أن نحو 130 طالباً استشهدوا، وأكثر من 15 بين معلمين وموظفين، حيث استهدفت حركة طالبان - باكستان الإرهابية، مدرسة تابعة للجيش، وارتكبت فيها مجزرة، لا يحيطها وصف أو إدراك، لفرط بشاعتها.

«المهم أن نحارب نحن في معركتنا، ولا ندعها للآخرين. فهذه حرب الشعوب العربية والإسلامية، ولن تُحسم بطائرات الغرب وصواريخه. هذه حرب ندافع فيها عن حياتنا، وعن مدارس أولادنا».

الأطفال كانوا يؤدون الامتحانات، كان القلق من صعوبة أسئلة الامتحان أكثر ما يخيفهم، وهم يغادرون بيوتهم صباحاً، بحقائبهم، وبزيهم المدرسي، ربما كانوا يراجعون الرياضيات والعلوم واللغات في الحافلة. ربما كانوا يتفقون على خطط وبرامج للإجازة الدراسية، لولا أن خمسة متوحشين، يُسمّون أنفسهم «مجاهدين في سبيل الله» اقتحموا مدرستهم، وفتحوا نيران الرشاشات على شغبهم، وأحلامهم، وحياتهم. تنقلوا من غرفة صفية إلى أخرى، ومن عويل إلى آخر. تكدست الأجساد الغضة، واندفعت الدماء إلى الكتب والدفاتر والمقاعد والحقائب والسبورات.

هكذا فعل الإرهاب القبيح، بكل دوافعه المنحرفة في مدرسة أطفال، وقد فعلها سابقاً في مدارس وشوارع ومساجد وكنائس، فلا نهايات لبشاعته، ولا أمكنة محرمة لديه، وعلينا أن نتوقع مزيداً من التوحش والانحطاط، فنحن بصدد عصابات إجرامية، تتقنع بالدين، وكلما فضحتها همجيتها على امتداد الخريطتين العربية والإسلامية، استنسخت خليتها المشوهة عشرات المهووسين بالتكرار والتقليد.

المهم أن نحارب نحن في معركتنا، ولا ندعها للآخرين. فهذه حرب الشعوب العربية والإسلامية، ولن تُحسم بطائرات الغرب وصواريخه. هذه حرب ندافع فيها عن حياتنا، وعن مدارس أولادنا، وعن أماننا. هذه ليست حرباً لتجميل صورتنا في العالم. الصورة تشوهت أعمق من أي محاولة لإجراء رتوش، أو ترميم أجزاء. لندع انعكاسنا في مرايا الآخرين، ولننتبه إلى فظاعة ما حدث ويحدث في الخفاء والعلن.

ثمة من حمّل الجيش الباكستاني مسؤولية ضحايا مدرسة بيشاور، مثلما أن هناك من يكتفي بلوم بشار الأسد ونوري المالكي على جرائم «الدواعش»، بوسعنا أن نجد ذلك ببساطة في تدوين، أو تغريدة (مع الاعتذار للطيور). بوسعنا أن نجد ذرائع خرافية للإرهاب بيننا. هنا مكمن الخطورة، ومن هنا يجب أن تبدأ الحرب على القتلة والشذاذ.

يجب أن تتحمل الدول العربية والإسلامية مسؤوليتها، وتجفف المستنقعات العفنة التي ينمو فيها الإرهاب في المجتمعات، قبل التنظيمات، وفي المؤسسات التعليمية والمنابر الإعلامية، قبل الخلايا النائمة. المزيد من التشريعات المشددة ضد تبرير القتل. المزيد من العقوبات لحفظ الحياة من أعدائها.

ولأن لكل مواجهة ثقافتها وأدواتها وشروطها، فيجب أن تدعم الدول في هذا الجزء الدامي من العالم، القوى الاجتماعية المتنورة، وتحررها من القيود التاريخية التي فرضها التحالف القديم بين السياسة والتشدد، ومع إعلاء شأن التنوير والانفتاح في المجتمع، لابدّ من التصدي للمتطرفين والظلاميين حلفاء الإرهابيين في المؤسسات الدينية والتعليمية، وفي كل مكان يتكاثرون فيه كالفطر المسموم. فالتردد في هذه المعركة هو أسوأ أشكال التواطؤ، والخوف من تبعات المواجهة وتأجيلها لن يكفّ الأذى، إنْ لم يمنح القتلة الفرصة بعد الفرصة لجرائم، ورعب متسلسل وكثيف.

علينا أن نُسارع إلى ذلك، وألا نهرب من هذا المصير، ولنتذكر أن الأطفال في سورية والعراق وبيشاور لم يكن في وسعهم أن يسرعوا هاربين، حينما فاجأهم السفاحون. علينا أن نستعد منذ الآن لكل مفاجأة، وإلا فإنه إبحارٌ آخر في سرابٍ طويل.

brafayh@ey.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر