كل جمعة
التعاطف مع الإرهاب
بيننا متعاطفون مع الإرهاب. بيننا من يرى جرائم «الدواعش» جهاداً، وتوحّش التكفيريين دفاعاً عن الدين، وقتل الأطفال العرب والنساء العربيات مباحاً، وطريقاً صحيحة لرفع راية الإسلام، مثلما أن بيننا من يسمي الانتحاريين شهداء بررة، ولا يرى في الضحايا إلا منافقين، حصدتهم الفتنة.
بيننا هؤلاء، وأكثر، ومن كان في إنكار وشكّ، فليقرأ ما يدوّنه «دواعش» وسائل التواصل الاجتماعي، ولينظر إلى سوء المنقلب في العقول والضمائر، وليسأل عن الأسرار وراء كل ذلك، فلعلها لم تكن سوى فضائح وأمراض مستعصية.
«تعاطفنا مع الإرهاب، وتوهمنا أن رايته وغايته إسلاميتان، حتى تكاثرت «الدواعش» فينا، وبيننا، وصارت لها أقنعة وأكاذيب ». |
تظاهر الشارع العَربي، قبل ربيعه الناشف، ضد إساءات غربية للإسلام، وانتفض بكامل حناجره، تنديداً بالكفار، وبالحروب الصليبية التي تطل علينا دائماً مثل مؤامرة أبدية، وتستحث فينا العداء والصراخ.
حسناً، هذه حرب نخوضها نحن ضِد الإسلام، لا صليب فيها، ولا قساوسة، ولا صحافة كافرة. حرب تحت راية سوداء، يقتل فيها «القواعد» و«الدواعش» عرباً مثلنا، الأطفال قبل الرجال، المسلمين قبل المسيحيين، السنة قبل الشيعة، النائمين في بيوتهم قبل الجنود. حرب يُستعبد فيها البشر، وتُباع فيها القاصرات في سوق النخاسة، وتستباح كرامة قرى ومدن وبشر. فهل هناك إساءة للإسلام أشد وضوحاً وشراسة من ذلك؟
الحناجر نفسها باتت منذورة للصمت والرضى، ولا صوت يوقظ الرقاد، لا تظاهرة واحدة تحتج على الإرهاب، لا قبضة ترتفع في وجه من كفروا بالإنسانية. لا حركة شعبية واحدة في العالمين العربي والإسلامي، تدين همجية التكفيريين وقبحهم. على نقيض ذلك خرجت مسيرات تؤيد الإجرام والفصام والموت، وثمة مسيرات صاخبة يومياً في ميادين الإعلام الاجتماعي، تُظهر أكثر مما تضمر من تعاطف مرعب مع الإرهابيين، وتُسبغ عليهم ألقاباً أسطورية.
لا نتحدث في التاريخ وعنه، نشير إلى شهور قليلة مضت، حينما استجمعت إسرائيل خرافتها وإرهابها، وتوحشت ضد الفلسطينيين في غزة، وحينذاك كان همج القاعدة و«داعش» يقتلون العراقيين والسوريين واللبنانيين. أعني الناس الذين في بيوتهم وأحيائهم وفقرهم، وليس جنود بشار الأسد، وحسن نصرالله، ونوري المالكي.
نحن أكثر من أعدائنا كيلاً بمكاييل مهزوزة، وناقصة. تظاهرنا في الشوارع، وفي الإنترنت ضد بنيامين نتنياهو وعصابته المدججة بالأساطير والحقد، وقبلنا باستباحة الدم العراقي والسوري والكردي. ربما اختلفنا على لون الدم. أو على طول المدفع فوق الدبابة، أو على الفرق بين سحنة نتنياهو، وسحنة أبي بكر البغدادي، وفاتنا أنها سحنة واحدة للعنصرية والجريمة، وأن لا فرق بين قلنسوة صغيرة، وعمامة كبيرة.
لكنها سحنتنا التي ندافع عنها، ونريدها لوناً طاغياً على دواخلنا وملامحنا. تعاطَفنا مع الإرهاب، وتوهَمنا أن رايته وغايته إسلاميتان، حتى تكاثرت «الدواعش» فينا، وبيننا، وصارت لها أقنعة وأكاذيب، تقبل بكل هذا الدم والموت والانتحار المستمر.
أما دعاة الفضائيات و«اليوتيوب» فهم منشغلون بما تأكل المرأة وتشرب وتلبس، وبأحكام صوتها ونظرتها ومشيها في الأسواق. الأمر لا يعنيهم. يقبع أكثرهم في حياد المتواطئ مع الإرهاب، وبعضهم في سكوت من كذب، لا يخوضون في آثام الإرهابيين وخطاياهم، خوفاً من خسارة قواعدهم الشعبية.
الكارثة أن التعاطف باتت له ترجمة قبيحة في جرائم معبأة بالحقد، ضد بشر يسيرون في الأسواق والمراكز التجارية، وإزاء ذلك، لم تنجح مجتمعاتنا في بناء مقاومة واعية للتخريب الذهني والتطرف الديني. انكفأت النخب كالعادة بدافع اليأس والهلع، وأخذت الدهماء بفرض سطوتها، وباتت قوة شرسة، تضع الشروط والحدود والأهداف، فكل تنوير كفر، وكل دعوة للاعتدال والانفتاح تغريب وضلالة.
brafayh@ey.ae
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .